بعوضي العقد ناجزاً. فإن فعلا في مجلسٍ واحدٍ، انفصلَ الأمر، ويسلم المبيعُ إلى المشتري، والثمن إلى البائع. وقد يتأتى تحصيل الغرض بأن يأخذ الحاكم المبيعَ من البائع والثمنَ من المشتري، ويمسكه بنفسه، أو يضعُه على يد عدلٍ، حتى إذا اجتمعَ العِوضانِ في يدي العدل، أو في يد الحاكم، سلّم إلى كُلّ واحدٍ من المتعاقدَيْن حقَّه.
وإنما يجري ما ذكرناه إذا طلب كلُّ واحدٍ من صاحبه حقَّه، فأمَّا إذا أعرضا، فلا يتعرض لهما.
ولو طلب أحدهما حقه. والثاني معرضٌ، قلنا للمعرض منهما: أتؤدي ما عليك وتأخذ مالَكَ؟ فإذا قال: أجل، أجرينا الأمرَ في الجانبين على ما وصفناه.
وإن قال المعرض: أؤدي ما عليَّ، ولا أطلب في الحالِ مالي، فإن رضي صاحبُة بذلك، أجرينا الأمر على هذا النحو. وإن قال صاحبه: أجبروه على قبض حقه كما تأخذون حقي منه، فهذا يخرّج على أن من عليه الحقّ إذا وفَّاه، هل يُجبر صاحبُه على القبول.
وهذا يجري في الثمن، فأمَّا المبيع المعيَّنُ، فيجبر المشتري على قبوله إذا بذله البائع، وذلك أنه في ضمانِ البائع، والعقد بهذا السبب عرضة للانفساخ، فالوجه أن يخلص البائع عن غَرر الضمان.
ولو قال البائع للمشتري: دونك المبيعَ، فاقبضه، ولست أطالبُك بالثمن في الحال، فقال المشتري: لا أقبض المبيعَ حتى أتمكّن من توفية الثمن، فهو مجبر على قبض المبيع، لما ذكرناه من وجوب تخليص البائع عن عهدة العقد، إذا طلب الخلاصَ.
٣٢٩٠ - وإذا قلنا: إنهما لا يُجبران، فمعنى ذلك أن الطلب لا يوجه على واحدٍ منهما ابتداءً، ولكن من بدأ فوفَّى حقَّت الطَّلِبةُ على صَاحبه بتسليم ما عليه.
فأمَّا إذا قلنا: يجبر البائع على التسليم، أو لم نَرَ إجبارَه، ولكنَه تبرع بالبداية، قال الشافعي مفرّعاً على هذا: إذا سلَّم البائعُ المبيعَ، فإن كان الثمن حاضراً في المجلسِ، أُجبر المشتري على التسليم من ساعته. وإن غاب، أَشهدَ على وقف ماله