للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذه ألفاظ الشافعي. وقد ذكر الوقفَ أولاً مربوطاً بغيبةِ المال، ثم ذكر المفلسَ بعد نجازِ الغَرض من الوقف الذي أشهد عليه؛ فمن نزَّل ذلك الوقفَ على وقف مال المفلس، فقد خلطَ (١) ما فصله الشافعي، وأبطل التعليلَ بغَيْبة المال. فهذا بيّن.

وأما من طريق المعنى، فإذا رأينا إجبارَ البائع على تسليم المبيع، ولم يكن مالُ المشتري في المجلسِ، فلو سلمنا المبيعَ إليه، وتركناه ينطلق، لم نأمن غوائله، وكنا معرضين حقَّ البائع للضَّياع، ولا سبيلَ إلى حبسه، فالوجه أن يُحجر [عليه، حتى نمنع] (٢) عليه التصرّفات في الأموال؛ إذْ لو كان مطلقَ التصرُّفِ، لخيفَ أن يهبَ أمواله، وما قبضه الآن من طفلٍ له، ويتسبَّب إلى إبطال حق البائع؛ (٣ فالوجه الأقصدُ الذي يجمع تسليمَ المبيع من غير تعرض حق البائع ٣) للضياع ما ذكره.

فهذا نوع من الحجر مختصٌّ بهذا المقام. ولا يمكن تخصيص الحجر بالبعض دون البعض من أمواله.

هذا مسلك المعنى، ويترتب عليه أمران لا بد من فهمهما: أحدهما - أنا لا نعتبر قياس الحجر على المفلس في النظر إلى الأقدار كما ذكرناه.

والآخر - أن الحجر على المفلس يسلّط البائعَ على فسخ البيع، والرجوعِ إلى عين المتاع. وهذا النوع من الحجر لا يقتضي ذلك، فإنا لم نضرب هذا الحجر بسبب ضيق المال، وإنما هو لمقصودٍ آخر. ولو ظن ظانّ أن هذا الحجر يسلط على الفسخ، لكان مُزْوَرّاً (٤) عن فهم مقصود المسألة بالكلِّيَّة؛ فإن الغرض تقريرُ المبيع، وإيصالُ كل ذي حق إلى حقه. وإلا فأي معنىً للإجبار على التسليم، وضربِ الحجر، حتى يثبت حق الفسخ والاسترداد.

فإذا تمهَّد ما ذكرناه، حان الآن أن نفصّل المذهبَ بعون اللهِ وتوفيقه.


(١) في (ص): غلط.
(٢) زيادة من (ص).
(٣) ما بين القوسين سقط من (ص).
(٤) مُزورّاً: بواو مفتوحة، وراءِ مثقلة: مائلاً.