للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٣٢٩٢ - فنقول: إذا سلّم البائعُ المبيعَ أولاً، قلنا للمشتري: عجّل الثمنَ، فإن كان حاضراً أدّاه. ولو قال المشتري مالي غائب، وسأحضره عما قريب، قال الشافعي وقفتُ ماله، كما مضى.

ثم ذكر العراقيون طريقةً نحن نطردُها، فقالوا: إن كان مال المشتري على مسافة القصر، وقد وقفنا ماله، فللبائع فسخُ العقد، والرجُوعُ إلى عين المبيع. وإن كان دون مسافة القصر ولكن كان غائباً عن البلد، فهل يثبت حق الفسخ؟ فعلى وجهين.

وإن كان المال في البلدِ، ولكن كان غائباً عن المجلس، فلا يثبتُ حقُّ الفسخِ في هذه الصورة.

هذا كلامهم.

وقال ابن سُرَيج: إن كان مالُه في البلد، ولكن كان غائباً عن مجلس التسليم، فيمهل المشتري إلى تحصيل الثمن، ويُحجر عليه، ولا يردّ المبيع إلى البائع، فأما إذا كان ماله غائباً عن البلدِ، فليرد المبيعَ إلى البائع إلى أن يتوفَّر عليه الثمن. ولا يثبت حقُّ فسخِ البيع عند ابن سريج أصلاً، بهذا الوقف الذي نص عليه الشافعي، وإنما يثبت الفسخُ إذا انتهى الأمرُ إلى الإعسار، أو إلى امتناع الوصول إلى الثمن بغيبةٍ شاسعة يُعَدّ مثلها امتناعاً.

وبين طريق ابن سُريج والعراقيين بَونٌ بينٌ. وحاصل كلام ابن سريج يؤول إلى أنا إذا عرفنا غيبة المالِ، لم نوجب على البائع البدايةَ بالتسليم؛ إذ لا فائدة في التسليم والاسترداد. ومن ربط من أصحابنا هذا الحجرَ بحد الفَلَس، أثبت للبائع الفسخَ.

فهذا بيان الطرق.

ثم الذين راعَوْا حدَّ الفَلَس، قالوا: إن كان يتأَتَّى تأديةُ الثمنِ من غير بيع المبيع، فَلا حجر، ولا وَقف. وإن كان يتأتى تأدية الثمن ببيع المبيع، أو بِبَيع بعضه ضماً إلى سائر مال المشتري، ففي المسألة وجهان: أحدهما - أنه لا يحجر عليه؛ إذْ أداء الثمن ممكن. والثاني - يُحجر عليهِ؛ فإن بيعَ المبيع تفويتُ حق الحبس على البائع.

وهذا خبط؛ فإنه بناءٌ على حمل الوقف على حد الفَلَسِ، وليس الأمر كذلك.