للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو اشترى سمناً في بُستوقةٍ (١) وهو يرى الغِلَظَ والدقة من رأس البستوقة، والغالب على الظن أنها لا تتفاوت، فالذي يقعُ الحكمُ به ظاهراً الصحَّةُ، فإن بان تفاوتٌ في غلظ الداخل على خلاف الاعتياد، التحقت المسألةُ بالصُّبرة التي يبين تحتها دكة. وقد تفصل المذهب فيه.

٣٣١٧ - فإن قيل: إذا كان العيان لا يفيد إعلامَ المقدار، ولا تغليبَ الظن، فقد ألحقتم القولَ فيه ببيع الغائب، فبم تنكرون على من يقول: إذا كان المبيع متساوي الأجزاء، ولم يختلف ظاهره وباطنه، وإنما بان تفاوتٌ في المقدار، فالبيع صحيح، فإن صحَّةَ البيع تعتمد العلمَ بصفةِ المبيع، لا بمقدارِه؛ فإن المقدارَ إنما يراعى في عقود الربا؟

قلنا: القدر معني من المبيع، كما أن الصفة معنيّهٌ منه، ولعلّ القدرَ أوْلى بالرعايةِ؛ فإن المقدار من المبيع مبيعٌ، والصفةُ لا تستحق إلا تبعاً، وإنما صح بيع الصُّبرة على الاستواءِ من الأرض؛ من حيث إن العِيان يحصرها ويحيط بها.

فإن قيل: العيان لا يقدّر الصبرة إلا خرْصاً وحزْراً، وقد لا يعرف الحَزْر إلَاّ الخواصُّ من الناس، ثم صح البيع، دلَّ أن القدرَ ليس معنِياً، ولما كان القدر معنيّاً معتبراً في الربويات، لم يجز التعويلُ فيها على العيان. واعتقد مالكٌ (٢) الاعتناءَ بمعرفة المقدار، فمنع بيع الصُّبرة جزافاً بالدراهم، ومنع بيع السلعة بكف من الدراهم جزافاً.

قلنا: أما الربويات، فالتعويل فيها على التعبد، وما تعبدنا فيه بالكيل لا نقنع فيه بالوزن، وإن كان أَحْصرَ. وأما ما ذكره السائل من الحزر، واختصاص بعض الناسِ به، فصحيح. ولكن العقد يبتنى على إحاطة العيان، لا على إحاطة المقدار؛ فالذي عاين الصُّبرة واشتراها، اعتقدَ أن الصبرةَ إلى استواء الأرض حنطةٌ، وربط العقدَ به، فهذا هو المعتبرُ لا الحزر.


(١) البُستوقة: القلة من الفخار. تعريب (بستو) (معجم الألفاظ الفارسية).
(٢) ر. الإشراف للقاضي عبد الوهاب: ٢/ ٥٧٣ مسألة ٩٥١.