للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٣٣٢٧ - ومما ذكره الشافعي من أنواع الغرر بيعُ الطائر في الهواء.

والتفصيل فيه أنه إذا لم يكن مملوكاً للبائع، فلا شكّ في فساد العقد، وإن كان مملوكاً للبائع، لكنه أفلت، وكان الوصول إليه متعذراً، فبيعُه فاسدٌ؛ لما قدمناه من فساد بيع ما لا يقدر على تسليمه.

وأما الحماماتُ التي تكون مملوكةً والتي تطير نهاراً وتأوِي إلى أوكارها ليلاً، فالمذهب صحة بيعها نهاراً؛ بناءً على عوْدِها الغالب، وهو كتصحيحنا بيعَ العبدِ الغائب الذي نرجو إيابه. وأبعد بعض أصحابنا، فمنع بيعها قبل أن تأوي؛ فإن عودها على حكم عادة والآفات كثيرةُ الطروق، ولا ثقة بما لا عقل له. والصحيح التصحيح.

ومما يذكر في ذلك، وبه تمام البيان أن الشيء الذي يتوصل إلى تسليمه، ولكن بعد تعذّرٍ وعُسرٍ ظاهرٍ، كالطَّائر في دار فيحاءَ متسعةِ الرقعة إذا لم يكن لها منفذ، فالوصول إليها مع تحمل العسر متصوّر، فإذا بيع ما وصفناه، ففي صحة البيع وجهان: أحدهما - لا يصح، لتحقق التعذّر حالة العقد. والثاني - أن البيع يصح لتحقق الإمكان، وإن كان مع عسرٍ بيّن، وهذا بمثابة تصحيح بيع العبد الآبق (١) الغائب الذي هو على مسافةٍ بعيدةٍ من المشتري.

فرجع حاصل القول إلى أن التعذر إذا تحقق حالةَ العقد، ولم يكن التمكن موثوقاً به، فالبيع فاسد قطعاً، وإن كان التسليم ممكناً مع أدنى عُسر محتمل في العادة، فالبيع صحيح. وإن تحقق التعذر، ولكن كان التمكن موثوقاً به مع معاناة عُسر، ففي المسألة وجهان.

ومما ذكره الأصحاب بيعُ البرجِ وفيه الحمامات المملوكة. أما القول في الحمامات، فعلى ما فصّلناه، وبيع البرج صحيح، والتسليم فيه التخليةُ، وهل يتم التسليم في الحمامات إذا أَوَتْ إلى البرج بالتخليةِ تبعاً للبرج، والتفريع على أن


(١) ساقطة من (هـ ٢)، (ص)، (ت ٢).