للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالتصوير يبيِّن أن ما ينمو ويسقط يضاهي البيضةَ التي تنفصل من الدجاجة، فهي طاهرةُ العين، وإن كان نموها في الحيوان. وقد يقول من يحكم بنجاسة الفأرة: البيضةُ لا تتصل بالدجاجة قط اتصال التحام، إنما يخلقها الباري مودعة في البطن، والفأرة تكون ملتحمةً، ثم تسقط.

هذا سبب الخلاف.

فكأَنَّ ما يقطع من الحيوان أو يسقط على ندور يحكم بنجاسته. وما يُخلَق مودَعاً، وينفصلُ إذا تكامل خلقُه لا نحكم بنجاسته كالبيض. وما يخلق ملتحماً، وهو إلى السقوط، فليس عضواً أصلياً، فيتردَّدُ وجهُ الرأي فيه.

فإن حكمنا بطهارة الفأرة، فبيعها صحيح، كما يصح بيعُ البيضة.

واختلافُ الأصحاب في نجاسةِ ظاهر البيضة أخذاً من ملاقاتها الرطوبةَ النجسة في داخل المنفذ لا يؤثر في منع البيع؛ فإن المانع من البيع نجاسةُ الأعيان، لا النجاسات المجاورة لها.

فإن حكمنا بطهارة الفأرة، فالأمر في البيع كما مضى. وإن حكمنا بنجاستها، فالمسك في حشوها طاهرٌ وِفاقاً، وكان أحب الطيب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقالت عائشة: " طيبتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لحُرْمِه (١) حين أحرم، فرأيتُ وبيص (٢) المسك في مفارقه بعد ثلاث ".

فإذا باع الفأرة والمسك الذي فيها، فينتظم إلى ما ذكرناه من خبطِ الأصحاب في الجهالة، أن الصفقة جمعت نجساً لا يجوز بيعه وطاهراً، فيتولّج في المسألة تفاريعُ تفريق الصفقة.

٣٣٤٧ - فأما إذا فتقت الفأرة ورُدّ المسكُ إليها، فلا كلام في بيع المسك فيها دونها ومعها، كالإعلام في بيع السمن في البُسْتوقة. وقد مضى ذلك مستقصىً.


(١) حديث " طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ". متفق عليه (وقد تقدم). لحُرْمه: بضم الحاء وكسرها وسكون الراء أي لإحرامه. شرح النووي لصحيح مسلم: ٨/ ٩٩.
(٢) وبيص: أي بريق ولمعان. وراجع اللؤلؤ: ح ٧٣٩، ٧٤٠، ٧٤١. ومسلم: ح ١١٨٩.