للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٣٣٦٢ - ومما ذكره الشافعي: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الملامسة والمنابذة " (١) فأما الملامسة، فلها تأويلان: أحدهما - أن يجعلا نفس اللمسِ بيعاً، فيقول صاحب الثوب لطالبه إذا لمست ثوبي، فهو مبيعٌ منك بكذا. هذا أحد التأويلين، ولا شك في فساد البيع عليه.

وقيل: الملامسة معناها أن يتبايعا سلعة في ظلمة الليل، وجعلا لمسها قاطعاً لخيار الرؤية، فيقيما اللمس مقامَ الرؤية. وهذا باطل؛ فإنا إن منعنا بيع مالم يره المشتري، فلا كلام. وإن صححنا بيع الغائب، فتعليق خيار الرؤية باللمسِ باطل. ويتطرق إلى هذا احتمال؛ من جهة أن من اشترى شيئاً على شرط قطع خيار الرؤية، ففي صحة العقد خلاف ذكرناه. فلا يمتنع تركُ هذا القول في الصورة التي ذكرناها.

٣٣٦٢/م- والمنابذة أن تنبذ الشيءَ إلى غيرك وينبذ الغيرُ إليك. ثم ينقدح لها التأويلان المذكوران في الملامسة. قال الأئمة: المنابذة في العوض والمعوّض مع القرينة الدالة على إرادة البيع هي المعاطاة بعينها.

فظاهر المذهب والنص أن المعاطاة لا تكون بيعاً، وإن اقترنت قرائن أحوال بها.

ولا بد من لفظٍ في العقد. وسأصف تفصيلاً في ألفاظ البيع في باب تجارة الوصي.

وقال أبو حنيفة (٢): المعاطاة بيع من غير لفظ في المستحقراتِ، وذكر ابنُ سريج قولين في أن المعاطاة مع القرائن في إرادة البيع هل تكون بيعاً، وخرجهما على القولين في أن من ساق هدياً، فعطب في الطريق، فغمس نعله في دمه، وضرب به صفحة سنامه، فمن رأى تلك العلامةَ، هل يحل له الأكل منه؟ فعلى قولين. ولعلنا نعقد في قرائن الأحوال وآثارِها ومواقع الخلاف والوفاق فصلاً جامعاً، في آخر كتاب البيع إن شاء الله تعالى.


(١) حديث النهي عن الملامسة والمنابذة. متفق عليه من حديث أبي هريرة، وأبي سعيد. (اللؤلؤ والمرجان: ح ٩٦٥ - ٩٦٧).
(٢) ر. تبيين الحقائق: ٤/ ٤، الاختيار: ٢/ ٤.