للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالقرض في نفسه متفق عليه. وليس عقداً تاماً على قياس المعاوضات؛ فإنه لو كان مردوداً إلى قياسها، لما صح اقتراضُ مالٍ من أموال الربا لشَرْطِ التقابض في بيع بعضه بالبعض.

ومعلوم أن من أقرض إنساناً دراهمَ فإنما يبذلُها ليأخذ منه مثلَها، وهذا على القطع مقابلةُ عوض بعوض. وقياسُ هذا يقتضي التقابضَ في مجلس العقد؛ فإن كل عوضين جمعتهما علةٌ واحدة في تحريم ربا الفضل إذا اشتمل العقد عليهما، وجب التقابُض فيهما. فليس القرضُ إذاً على قياس العقود، وليس خالياً عن [تقابل] (١) العوضين مقصوداً.

وامتنع الشافعي من إثبات الأجل في القرض؛ من قِبَل أن الأجل إنما يثبت في حقائق العقود المشتملةِ على حقيقة المعاوضة. فإذا لم يكن القرض كذلك، لم يكن في إثبات الأجل معنى، ووافق أبو حنيفةَ على هذا. وكان القرض معروفٌ أثبته الشارع رخصةً مستثنى من قياس المعاوضات، وما فيها من التعبدات؛ فإن القرض لو روعي فيه التقابض، لم يكن فيه معنى. وغرض الشارع بإثبات القرض استثناؤه عن تصنيفات المبيع، وإيصال المقترض إلى القرض من غير أن يُنجز له عوضاً.

وهذا لا خفاء به.

٣٣٧٥ - وينشأ من هذا الأصل خلافٌ عظيمُ الوقع مع مالك (٢)، فإنه قال: ليس للمُقرض أن يسترد ما أقرضه على الفور، حتى يقضي المقترضُ وطراً، أو يمضي زمانٌ يسع ذلك. وزعم أنا لو ملكنا المقرضَ استرجاع القرض في الحال، لم يكن للقرض فائدةٌ. وبنى هذا على إثبات الأجل، ولزوم الوفاء به إذا ذُكر، وحمل [هذا] (٣) على موافقة مقصودِ القرض.

وهذا الذي ذكره فيه تخييل إذا نظر الناظر إلى مقصود القرض. ولكن لا وجه لما


(١) في الأصل، (ت ٢): تقابض.
(٢) ر. جواهر الإكليل: ٢/ ٧٦، منح الجليل لعليش: ٣/ ٥١.
(٣) ساقطة من الأصل.