للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قاله؛ من جهة أن منعه المقرضَ من مطالبة المقترض تحكّم منه عليه، لا عن أصل ثابت في الشرع. ثم ذِكْرُه قضاءَ الوطر عماية لا يهتدى إليها، وأمرٌ خارج عن الضبط.

والوجه إذا عقلنا غرضَ الشرع مائلاً عن قياس كلِّي (١) أن نقتصر عليه، ولا نُتبعُه هدمَ الأصول. ومقصود الشارع استثناءُ القرض عن التعبّد الثابت في التقابض المشروط. وهذا معترف به، فأما الحجر على المقرض، فلا. والأمر محمول فيه على أنه إن شاء وفَى بامتناعه، فإن لم يفِ، فهو المالك.

وقد طرد مالكٌ أصلَه في إلزام العواري إلى قضاء الأوطار.

وهذا عندي خَرق لما عليه علماءُ الأمة؛ فإنهم ما زالوا يعرفون من وضع الشرع في العواري تخيّر المعير، وأن له الرجوع متى شاء. وقد ثبت في وضع الشرع عقودٌ مقرونةٌ بشرط الرجوع. والواهب المملِّك بالإقباضِ عندنا وبنفسِ الهبةِ عند مالك رحمه الله يرجع فيما وهب. ولم يُنكِر أصلَ الرجوع في الهبة منكر.

فالذي يقتضيه الفقه أن يُعتقَدَ استثناءُ الشارع القرضَ كما ذكرناه، مع أن الأمر فيه مبني على أن المقرض يفي بالامتناع، ولا يخلف الموعدَ. وهذا ما اطّرد العرفُ فيه.

فإن أراد الاسترجاع، فلا مانع منه.

وأما الأجل، فقول مالكٍ في إثباته أَثْبتُ. وسبيل الكلام عليه ما قدّمناه، من أن الأجل من توابع العقود المحققة، ولو أثبتنا الأجل فيه، لألحقناه بالعقود، ولو التحق بها، لامتنع الأجل في مقابلة الدراهم بالدنانير؛ ففي إثباته في الربويات نفيُه.

٣٣٧٦ - ثم إذا تمهد قولُنا في أصل القرض وتنزيله، فنتكلمُ وراء ذلك في شيئين: أحدهما - أنه يقتضي الملك للمقترض وكيف التفصيل فيه. والثاني - فيما يصح إقراضه وفيما لا يصح، ثم نذكر بعدهما القرضَ الذي يجرّ منفعةً.

فأما القول في وقت الملكِ، فقد ذكر أئمتنا قولين من معاني كلام الشافعي في ذلك: أحدهما - أن الملك يحصل بالإقباض. وهذا هو القياس؛ فإن المقترض يتصرف فيما اقترضه وقبضه تصرفاتٍ مفتقرة إلى الملك، كالبيع وغيره. وأيضاً؛ فإن


(١) في (ص)، (ت ٢): جلي.