للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا بالسماع، كما يذكر ذلك العامة، ولا يميزون بين الحديث الصحيح المتواتر -عند أهل العلم بالحديث- وبين الحديث المفترى المكذوب، وكتبهم أصدق شاهد بذلك؛ ففيها عجائب" (١).

والموضع الثاني -في الفتاوى- قال: "إن أبا المعالي مع فرط ذكائه وحرصه على العلم وعلو قدره في فنه كان قليل المعرفة بالآثار النبوية، ولعله لم يطالع الموطأ بحال، حتى يعلم ما فيه؛ فإنه لم يكن له بالصحيحين: البخاري ومسلم وسنن أبي داود والنسائي والترمذي، وأمثال هذه السنن علمٌ أصلاً، فكيف بالموطأ ونحوه، وكان مع حرصه على الاحتجاج في مسائل الخلاف في الفقه إنما عمدته سنن أبي الحسن الدارقطني" (٢).

فنحن أمام قولٍ صريح واضح مفصل يتهم إمام الحرمين بأنه كان لا يراجع كتب الحديث، وكان اعتماده على سنن الدارقطني، ولم ير سنن أبي داود عمدة الأحكام، ولا غيره من الكتب الستة.

وربما كان دفع هذا الكلام أيسر من سابقه، وذلك بأكثر من دليل، منها:

١ - إن إمام الحرمين استدل بأكثر من حديث، وعزاه صراحة إلى أبي داود، مثل حديث الفأرة التي ماتت في السمن، فقد قال: رواه أبو داود في سننه، وكان كما قال، وتكرر هذا مراراً.

٢ - يورد أحاديث كثيرة مستشهداً بها، يرويها أبو داود وغيره، وعند مراجعة لفظ الحديث نجد أن اللفظ الذي اختاره الإمام وأورده هو لفظ أبي داود، مثل حديث خزيمة بن ثابت في المسح على الخفين، وحديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل على ماعز، ولم ينه عن الصلاة عليه.

وحديث: " إذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله إلا من ثلاث " فقد رواه أبو داود والنسائي والترمذي، ولم يورد أحدهم لفظَ (عنه) إلا أبو داود. حقاً رواه مسلم بلفظ


(١) الفتاوى الكبرى: جمع عبد الرحمن بن قاسم، طبعة الملك خالد: ٤/ ٧١، ٧٢.
(٢) الفتاوى الكبرى، في ستة أجزاء، تحقيق عبد القادر عطا، القاهرة، دار الريان للتراث، ١٤٠٨ هـ: ج ٦ ص ١٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>