للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه أيضاً، وسواء كان إمام الحرمين أخذه عن مسلمٍ أو عن أبي داود، فهذا ينفي أشد النفي القول بأنه لا علم له بالصحيحين، ولا بأبي داود، ولا بأصحاب السنن.

٣ - بل مما يشهد بحفظه لسنن أبي داود أو على الأقل مراجعته لها استشهاده بقول أبي داود في الحديث، وردّه لأحاديث الخصوم بقول أبي داود فيها.

فعندما ردّ قول الأحناف بجواز إخراج الدقيق في صدقة الفطر، مستدلين بحديث أبي سعيد الخدري: وفيه: " أو صاعاً من دقيق ".

يرد إمام الحرمين قائلاً: " قلنا: قال أبو داود: زاده سفيان من عند نفسه مذهباً، فأُنكر عليه، فتركه من الحديث " وسفيان هو سفيان بن عيينة.

فهذا من إمام الحرمين شاهد صدق على حفظه لأبي داود.

وارجع إلى أبي داود، لترى أن الأمر كما قال إمام الحرمين، بشيء من التصرف.

٤ - وربما كان أبلغ ردّ لكلام شيخ الإسلام ابن تيمية، وإبطالٍ له من أساسه، هو حديث أبيض بن حمال الذي استشهد به إمام الحرمين في إحياء الموات، وفيه أن أبيض استقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم ملحَ مأرب، فأراد أن يقطعه إياه، ويروى: فأقطعه، فقيل: إنه كالماء العِدّ، قال: " فلا إذاً ".

هذا الحديث من رواية أبي داود والترمذي، والنسائي في الكبرى، وابن ماجه، وابن حبان، والبيهقي، والدارقطني.

فانظر بأي لفظٍ رواه إمام الحرمين، لقد اعتمد إمام الحرمين في روايته لفظ هذه الدواوين جميعاً، ولم يعتمد لفظَ الدارقطني.

فهل يصح بعد ذلك القول: إنه لم يكن يعرف إلا سنن الدارقطني؟ أم يصح لنا أن نقلب القضية، ونقول: إنه كان يعرف كل كتب السنة إلا سنن الدارقطني؟ كلا لن تقول هذا؛ فهذه المبالغات لا مجال لها في البحث العلمي المنصف النزيه، المتجرد عن العاطفة.

بل يكفينا أننا أسقطنا بهذا الدليل القاطع القول بأنه لم يكن يعرف إلا سنن الدارقطني.

<<  <  ج: ص:  >  >>