للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكان شيخي يقول: إذا قال المرتهن: أسقطت حقي من الرهن أو أبطلت وثيقتي، وكان الرهن قائماً، فهذا فسخ منه للرهن، وللمرتهن أن يفسخ الرهن؛ فإن الرهن في جانبه جائزٌ، ولم يتعرض لصورة الدين. ونصُّ الشافعي دليل على أن المرتهن إذا أبرأ الجاني، فإبراؤه لغوٌ، وعفوه باطل، وهذا يتضمن بقاء حقه.

أما الراهن لو أبرأ الجاني عن الأرش، فقد قطع الأصحاب بإبطال إبرائه؛ لحق المرتهن؛ فإنا وإن لم نطلق القول بكون الأرش مرهوناً قبل الاستيفاء، فلسنا ننكر تأكُّد حق المرتهن فيه، فالإبراء في الدين (١) بمثابة الهبة في العين، ولو وهب الراهن العين المرهونة، لم يختلف المذهب في بُطلان هبته، وإنما تردُّدُ الأقوال في العتق والاستيلاد، كما تقدم.

ثم قال الأصحاب: لو كانت الجناية على العبد المرهون موجبةً للقَصاصِ، فللرّاهن حقُّ الاقتصاص، وقد تكرر هذا، فلو عفا الراهن على مالٍ، ثبت المال، وتعلق حق المرتهن به، وإن عفا على غير مالٍ، ترتب على موجب العمد، ونزل عفوه منزلة عفو المفلس المحجور عليه. وقد أشرنا إلى ذلك وأحلنا استقصاءه على كتاب الجراح.

فصل

قال: " وأكره أن يرهن المشركَ المصحفَ ... إلى آخره " (٢)

٣٦٨٩ - أراد بالكراهية التحريمَ. والقولُ في بيع المصحف والعبد المسلم من الكافر قد تقدّم استقصاؤه في كتاب البيع، وبينا المذهب فيه على أكمل بيان. والرهن على الجملة مرتَّب على البيع، وهو أولى بالجواز، وإذا منعنا بيع السلاح من الحربي، ففي رهنه منه وجهان، وبيعُ السلاح من الذمي ورهنُه جائز؛ مات رسول الله


(١) يريد بالدين أرش الجناية، وهذا يؤكد صحة تفسيرنا في التعليق السابق.
(٢) ر. المختصر: ٢/ ٢١٥.