المالك الخصومة، فلا جرم نقول للمرتهن أن يخاصم حتى لا يتعطل حقه.
قال الشافعي:" ولو عفا المرتهن كان عفوه باطلاً ". وتفصيل القول في هذا أن المرتهن لو أبرأ الجاني عن أرش الجناية، فإبراؤه باطل؛ لأن الإبراء إنما يصح من مالكٍ مطلق التصرف، والمرتهن ليس مالكاً؛ فلم يصح إبراؤه.
٣٦٨٨ - وتمام البيان في هذا الفصل ما نذكره، فنقول: أطلق المراوزة القولَ بأنّ أرش الجناية لا يتصف بكونه مرهوناً؛ فإنه دين، والديون لا تكون مرهونة، كما قدمنا ذلك في صدر الكتاب، وألحقوا مصير العين المرهونة بسبب الإتلاف ديناً في ذمة المتلِف بأنقلاب العصير خمراً، ثم رأَوْا تفصيلَ المذهب إذا قبض الدينَ، وتعيّن بالقبض، كتفصيله إذا انقلبت الخمر خلاً.
وذكر العراقيون عن بعض الأصحاب أن الدين وإن كان لا يجوز تقديره مرهوناً ابتداءً، فإذا استقر الرهن على عينٍ وجنى عليها جانٍ، فالدين اللازم بسبب الجناية على العين مرهون، وليس كالخمر؛ فإن الدين مملوكٌ، والخمر ليست مالاً، والدين مترتب على عين، حيث انتهى الكلام إليه، ومصيره إلى عين، إذا قُدِّر استيفاؤه.
هذا ما حَكوه في ذلك.
ثم قالوا: إذا قال المرتهن: عفوت عن حقي من الوثيقة، أو أسقطت حقي منها، والمسألة مفروضة فيه إذا أتلف الجاني المرهونَ، فقال المرتهن قبل استيفاء الحق من الجاني ما قال، فيسقط حقه، وإذا استوفى الدينَ (١)، فلا حق له فيه. ولو قال المرتهن: أبرأتك عما عليك أيها الجاني، فإبراؤه لا يتضمن سقوطَ الدين، ولكن هل يتضمن سقوط حقه من الوثيقة إذا استوفى الأرش؟ ذكروا وجهين: أحدهما - أن حقه لا يسقط؛ فإنه لم يتعرض للتنصيص على إسقاطه، وإنما أسقط الدين، وليس له إسقاطه، فلو سقط حق الوثيقة، لكان مرتباً على سقوط الأصل، وإذا لم يسقط الأصل، لم يسقط ما يترتبُ عليه هذا طريقهم.
(١) المعنى: إذا استوفى المالك الدينَ -ويعني به هنا الأرش الذي تعلق بذمة الجاني- من الجاني، فليس للمرتهن حق في الاستيثاق به؛ إذ أسقطه بقوله هذا.