للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٣٧٤٨ - عاد بنا الكلامُ إلى الهجوم على مقصود الفصل. فإذا ادعى رجلان على واحدٍ، كلُّ واحدِ منهما يدعي عليه أنه رهن عبده منه وسلمه إليه، وقال كل واحد منهما: إنه بعدما سلمه إليه رهناً مستحقاً، انتزعه من يده غصباً أو استعاره منه وسلمه إلى الثاني.

ونفرض المسألة فيه إذا لم يكن لواحد منهما بينة؛ فإن القول في البينات وتعارضها لا يبين إلا في كتاب الشهادات، فإذاً لا بينة، والدعوتان مطلقتان، لا تاريخ في واحد منهما، إلا أن كل واحد منهما يدعي السبقَ والتقديمَ بالقبض، فلا يخلو إما أن يكون العبد في يد المالك أو في أيديهما، أو في يد أحدهما:

٣٧٤٩ - فإن كان في يدي المالك، أو يدي وكيله أو نائبه، فلا يخلو في التقسيمة الأولى إما أن يصدقهما، وإما أن يكذبهما، وإما أن يصدق أحدهما ويكذبَ الآخر، فإن كذبهما، فالقول قوله مع يمينه، فيحلف وينتفي العقدان.

وإن صدق أحدَهما وكذّب الثاني، حكم بالرهن في ترتيب الكلام للمصدَّق منهما. وهل للمكذَّب أن يستحلف المقِرَّ؟ هذا يبتني على أنه لو أقرّ له بعد أن أقر للأوَّل، فهل يغرم القيمة للثاني؟ فعلى قولين، نبهنا عليهما في صَدْر الفصل. فإن قلنا: لا يغرَم، فلا فائدة في تحليفه؛ فإن اليمين تعرض حتى يهابها المعروض عليه، ويقرّ. ولو أقر لم يكن لإقراره حكمٌ في حق الثاني: لا في نقض حق الأول من الرهن، ولا في إثبات العوض، فلا معنى لليمين إذاً.

وهاهنا تنبيه على خبطٍ لبعض الأصحاب، تردد في مواضع فإن قلنا: لا يحلف المقِرّ، فلا كلام. وإن قلنا: يحلف، فإن حلف، فلا كلام. وإن نكل، رُدّت اليمين على المدعي، فإن نكل كان نكولُه بمنزلة حلف صاحبه. وقد مضى حُكم حلفه. وإن حلف، فقد قال بعض أصحابنا: هذا ينبني على أن يمين الرد بمثابة إقرار المحلَّف الناكل، أو بمثابة بيِّنةٍ مقامة في الخصومة؟ فإن قلنا: هي بمثابة إقراره، فلا يثبت إلا الغرم، كما تفصل من قبل. وإن قلنا: يمين الرد كبينة، فقد قال بعض الضعفة: تُجعل يمين الرد كبينة في الواقعة، تزيل يدَ المقر له أولاً، ويسلم الرهن إلى الثاني، كما لو قامت بينة على حسب هذا.