ثم اختلف قوله فيه، فقال مرة: لا بدَّ من مضي شهرين، وقال مرة: أربعين يوماً، أو خمسين، وقال مرة: أربعة أشهر (١). ونحن لا نرعى شيئاًً من ذلك، ونُصغي إلى البينة، ونقضي بها من غير تأخير.
٤٠٣٩ - ثم نتكلّم وراءَ ذلك فيما يتعلق بحق الشاهد وتحمّله، ونذكر بعده نظرَ القاضي في أحوال الشهود على الإعسار.
فأما الشاهد، فلا يحل له أن يشهد على الإعسار بظاهر الحال؛ فإن الأموال في وضع الجبلات تخفَى ولا تظهر، هذا حكم العادة الغالبة، فليبحث من يتحمل هذه الشهادةَ عن الباطن ولْيسبُر حالَ المشهود له، ولا يخفى طريق البحث في كل باب على الخبير.
هذا قولنا في الشاهد.
٤٠٤٠ - فأمّا الكلام في نظر القاضي، فقد قال الشافعي: لا ينبغي له أن يقبل هذه الشهادة إلا من أهل الخبرة الباطنة؛ والسَّبب فيما افتتحناه من ذلك أن مستند الشهادة على الإعسار النفيُ، ولو جرينا على قياس الشهادات، لم نقبلها، فإن النافي لا يكون مثبتاً، ولا يستمكن من ادعاء العلم بالنفي. ولهذه الشهادة نظائر: منها الشهادة على أن لا وارث للمتوفَّى سوى من حضر، وهذه الشهادة متعلقة بالنفي، مقبولةٌ من أهل الخبرة الباطنة، ومنها الشهادة على تعديل الشهود؛ فإن متضمنها نفيُ الأسباب المخرجة عن العدالة، ويلزم قبول هذه الشهادات، ولا مستند لها إلى اليقين قطعاً، للضرورةِ، ومسيسِ الحاجة؛ فإن تخليد الحبس، وتأبيد وقف الميراث محال، والتعديلُ عماد القضاء، ولا يتصور فيه إلا المسلك الذي ذكرنا، فيلتحق عندنا بما ذكرناه الشهادةُ على الأملاك؛ فإنها لا تنتهي إلى يقين قطّ، وإنّما غايتها بناء الأمر على ظواهرَ يصفها العلماء، من اليد، والتصرف، وغيرهما. ولكن لا بد من الاكتفاء بما ذكرناه؛ إذ الحاجةُ ماسة، ومنتهى الإمكان ما أشرنا إليه، فكأنّا نشترط استنادَ الشهادة إلى اليقين فيما يمكن اليقين فيه، كالأقوال، والأفعال التي يتعلق بها الحواس.