لا متضجراً، ولا متمللاً، ولا متعجلاً. ولكن فقط سئمت السؤال: ألم تنته بعد؟.
وفي عيون بعض السائلين وراء التعجب شيء لا أدرك كنهه، وكأنهم يستكثرون، أو لا يصدقون أن ينفق باحث في كتاب واحد كل هذه السنوات التي فاقت الخمس والعشرين سنة.
والله وحده المستعان!!!
* وهناك طائفة أخرى من المحققين، لا تعوزهم القدرة، ولا ينقصهم حسن النية، ولكن أخرجهم عن المنهج القويم شعورهم بأن الناس من حولهم لا يقدرون قيمة عمل المحقق في قراءة النص، وإقامته، ورأوا الكتاب المحقق منشوراً باسم مؤلفه طبعاً، لا باسم المحقِّق، فخافوا أن يسألهم الناس أين أنتم؟ فانصرفوا إلى الهوامش يثقلونها بالحواشي، والتعليقات، وفروق النسخ، والمراجع والمصادر، ولسان حالهم يقول: ها أنذا. واشتغلوا بهذه التعليقات، وأكثروا، وتزيّدوا منها، حتى صرفتهم عن عملهم الأصيل، في إقامة النص، وسلامته.
وكان على هؤلاء أن يدركوا أن العلم عندنا دين، والعمل به عبادة، فلا يلتفتوا إلا إلى رضا الله سبحانه وتعالى، ويعلموا أن عمل المحقق وجهده الذي يصل فيه الليل بالنهار، دائماً خلف ستار، فهو دائماً متوارٍ في الظل خلف النص الذي يحققه، لا يراه الناس، ولا ذكر له عندهم.
ومن وفقه الله يسعد بهذا، ولا بأس عليه، ويحتسبه عند الله، مسروراً بأن لم يذكره أحد، فهو بذلك قد نجا بدينه من أحد الذئبين الجائعين اللذين حذر منهما المصطفى صلى الله عليه وسلم:" ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف (أي الشهرة) لدينه " حديث صحيح رواه أحمد، والنسائي، والترمذي وابن حبان في صحيحه، من حديث كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه، كما رُوي من وجه آخر عن عدد من الصحابة، وقد عُني بشرحه الحافظ ابن رجب الحنبلي رضي الله عنه.