ولذلك لا تعجب إذا سمعت أن فلاناً أخرج كتاباً من عشرة مجلدات أو أكثر، في عام أو أقل. على حين تجد العلامة الشيخ محمود محمد شاكر أبا فهر يمضي زهرة عمره بمعاونة أخيه المحدث العلامة الشيخ أحمد شاكر في إخراج ستة عشر مجلداً من تفسير الطبري، لم تزد عن ثلث التفسير إلا قليلاً، حيث وقفت الأجزاء الستة عشر في أثناء تفسير سورة إبراهيم.
وتجد علاّمة الهند محمد حميد الله يقول بالحرف الواحد:" ... صرفت عشر سنوات في تصحيح نسخة الغياثي، وإعدادها للنشر" وهو كتاب من مجلد واحد (١).
ونجد الشيخ عبد الرحمن الخضري شيخ علماء دمياط، يقول عن كتاب البرهان في أصول الفقه، حينما عثر على نسخته المخطوطة:" ... فأخذته وأغثته، وجعلته في حضانتي، ووضعته في كفالتي، وشرعت أعالجه، وباللطف أمازجه، متأنياً بلا ملل، حتى زال معظم الخطر والخلل، ووضعت كل عضو منه في موضعه، فاستراح نوعاً، ولم يتجاف عن مضجعه، وأنفقت في إصلاحه سنتين، حتى صار قرير العين ... "
وكان من نعمة الله علينا -ونعمه لا تعد ولا تحصى- أن هيأنا لخدمة هذا الكتاب وإخراجه أيضاً، فأنفقنا في ذلك سبع سنين دأباً، وكنت أقول لمن يعجب من ذلك مستكثراً هذا الزمن: إذا كان شيخ علماء دمياط قد أنفق سنتين في ترتيب أوراقه، وقراءته، أكثير على من كان في مثل عجزي وضعفي وتقصيري أن ينفق سبع سنوات في قراءته، ونَسْخه، ومقابلته، والتعليق عليه، والتعريف به، وفهرسته وإخراجه؟
وحينما نجد أن الشيخ أحمد شاكر يقول:" إنه سلخ في تحقيق رسالة الشافعي نحو ثلاثة أعوام ".
حينما نجد ذلك أليس من حقنا أن نفزع لهذا السيل المتدفق من الكتب الأمهات، التي يبلغ كل واحد منها من المجلدات عدداً؟ ونسأل الله السلامة.
وبالنسبة لي شخصياً فقد عانيت من طول العمل في نهاية المطلب (علم الله)
(١) كان لنا -بفضلٍ من الله وتوفيقه- شرف السبق إلى نشره.