للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال في التقريب: إن جعلنا يمين الرد كالإقرار، فلا يمين على مدعي البيع، لإقراره بزوال ملكه، ومن أقر بزوال ملكه، لم يسمع إقراره بالزوجية (١).

وقال الإمام: إن قبلنا رجوع المقر عن الإقرار (٢)، فالحكم ما ذكره الأصحاب، وإن لم نقبل رجوعه، فالحكم ما ذكره صاحب التقريب.

قلت (٣): الوجه ما ذكره الأصحاب؛ لأنا إنما رددنا الإقرار بالتزويج بعد زوال الملك لما فيه من الإضرار بالمالك، وهاهنا لا ضرر على مدعي الزوجية في تصديقه عليها، والحق لا يعدوهما.

والتفريع على ما ذكره الأصحاب، فإذا حلف كل منهما على نفي ما ادُّعي به عليه، فإن كان التنازع قبل الوطء، أو بعده وقبل الإحبال، فهل لمدعي البيع أن يفسخه، لتعذر الثمن، كما يفسخ في صورة الإفلاس، أو يخرّج على الظفر بغير الجنس؟ فيه وجهان، وهل ينتزع الحاكم المهر ليحفظه، أو يتركه بيد الواطىء؟ فيه وجهان.

وأيهما نكل عن اليمين، حلف الآخر يميناً للنفي، وأخرى للإثبات، وأبعد القاضي، فاكتفى بيمين تجمع النفي والإثبات.

وإن كان التنازع بعد الاستيلاد، فلا تعلق لمدعي البيع بالجارية، ويعتِق ولدُها، ويثبت لها حكم الاستيلاد، لاعتراف المالك بجميع ذلك، ولمدّعي التزويج أن يطأها في الباطن، وكذا في الظاهر على الأصح، وأبعد من أطلق وجهين، ولم يفرق بين الباطن والظاهر.


(١) هناك خلاف -سيأتي تفصيله في كتاب الدعاوى والبينات- في عدّ يمين الرد بمنزلة البينة، أو بمنزلة الإقرار، وبكل منها تنقطع الخصومة.
فإذا اخترنا جَعْلَ يمين الرد إقراراً، فلا يمين على مدعي البيع؛ لأنه مقر بزوال ملكه، فعلى تقدير النكول، وفصل الخصومة بيمين الرد، نكون جعلناه قد أقرّ بتزويج أمةٍ لا يملكها، ومثل هذا الإقرار لا يسمع. هذا مأخذ كلام صاحب التقريب، وبيان مبناه ومعناه.
(٢) علق الإمام (إمام الحرمين) قبول قول صاحب التقريب على حكمنا بأن رجوع المقر عن إقراره لا يقبل، أما إذا قبلنا رجوع المقر عن إقراره، فلا مانع من أن يحلف مدعي البيع - كما ذكره الأصحاب، وتكون يمين الردّ -إذا فصلت بها الخصومة- إقراراً آخر رجع به عن إقراره الأول.
(٣) "قلت": القائل هو العز بن عبد السلام.