ولو نصّ المعير على تعيين الحنطة مثلاً، وصرح بالمنع من زراعة الشعير، فظاهر المذهب أنه يتعين على المستعير اتباع ما ذكره المعير (١).
فإن قيل: قد قلتم: ليس للمستعير أن يعير في ظاهر المذهب، وإن كان انتفاع غيره
بمثابة انتفاعه، فهلا قلتم: ليس له أن يبدل زرعاً بزرع، عند جريان التعيين جرياناً على الاتباع في الموضعين؟ قلنا: لا سواء؛ فإن اليد إذاً لم تتبدّل، فليس عين الزرع من حظ المعير، وإنما حقه الذي أباحه مقدارٌ من منفعة الأرض، فلا فرق بين أن يستوفيها بالزرع المذكور، وبين أن يستوفيها بغيره إذا لم يزد الضرر، فأمّا إذا أعار، فقد أزال يد نفسه ولإزالة اليد وقعٌ في النفوس لا ينكر.
ولو قال: أعرتك لتزرع ما شئت، زرع ما شاء.
ولو قال: لتزرع، لم يَبْنِ المستعيرُ، ولم يغرس. ولو قال: لتبني، أو لتغرس، فله أن يزرع؛ فإن ضرر الزرع دون ضرر البناء والغراس. ولو قال: لتبني. هل يغرس؟ أو قال: لتغرس. هل يبني؟ فعلى وجهين، ذكرهما العراقيون وصاحب التقريب: أحدهما - له ذلك. والثاني - وهو الأصح- أنه لا يفعل؛ فإن في كل واحدٍ من البناء والغراس نوعاً من الضرر لا يجانس النوعَ الذي في الآخر. وهذا يضاهي ما لو قال: بع عبدي بكذا درهماً، فلو باعه بدنانير، وإن وفت قيمتُها بمبلغ الدّراهم المعينة، لم يصح العقد؛ لتفاوت الغرض في الجنسين.
ثم إذا أعار للبناء والغراس، فلا يخلو إما أن يؤقت الإعارة، أو يطلقها: فإن أطلق، ولم يؤقّت، صحت الإعارة، وإن استرسلت بالإطلاق على أزمانٍ مجهولة؛ فإنَّ الإعارة معروفٌ لا تقابِل عوضاًً، فيتسامح في تجويز إطلاقه، ويحتمل ما فيه من الجهالة، قياساً على الوصايا؛ فإنها تصح مجهولة. وهذا ينعكس بالإجارة.
٤٥٢٥ - ثم قال الأصحابُ: إن أغرس المستعير، أو بنى، لم ينقطع سلطانُ المعير في الرجوع في العاريّة متى شاء، ولكنه إذا أراد الرجوع، لم يكن له أن يضرّ بالمستعير، ومقصود الفصل تفصيل هذا الغرض.