للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والوجه الثاني - أن الأجرة لا تستقر] (١) في مسألة الحر؛ فإن منفعته إن ضاعت في مدة التمكين، فإنما ضاعت تحت يده؛ فإن اليد لا تثبت على الحر، وعلى هذا يخرّج القول في حبس الحر قهراً ظلماً حتى تتعطل منافعه، فهل يجب على حابسه أجرته؟ فيه كلام قدمناه في كتاب الغصوب.

٥٣٦٣ - وإذا ثبت ما ذكرنا، عدنا إلى غرضنا، وقلنا: إذا لم يأت المستأجر بثوب آخر بعد تلف الثوب المعين، فنقدر أولاً كأن الأجير مسلِّم نفسَه إلى المستأجر، ولو فعل ذلك، ففي استقرار أجرته الخلاف، فإن رأينا أن نقول: لا تتقرر أجرته، فينشأ من هذا المنتهى شيء، وهو أن الثوب المعيَّنَ للقطع والخياطة لو كان باقياً، فلم يسلِّمه إلى الأجير المعيّن، فالقول في أن أجرته لا تستقر على ما ذكرناه. ولكن لو بدا (٢) له في قطع ذلك الثوب، فهل نقول: يجب عليه الإتيان به أم كيف السبيل فيه؟ فالذي يتجه عندنا أنه لا يجب عليه الإتيان بذلك الثوب ليقطع، وقد سنح له غرضٌ ظاهر في الامتناع من قطعه، ولكن إذا كنا نفرع على أن أجرة الأجير تستقرّ، فلو ترك الإجارة حتى انقضى زمانُها، استقرت الأجرة.

ولو قال: أفسخ الإجارة، أو بدا لي لم يكن له فسخها؛ إذ لو أثبتنا له الفسخ، لكان ذلك فسخاً بالمعاذير، ونحن لا نرى ذلك، وإنما قال به أبو حنيفة (٣) رحمة الله عليه.

وإن قلنا: أجرة الأجير لا تستقر بانقضاء زمان الإجارة، ولا [يجب] (٤) -على ما ذكرناه- الإتيانُ بالثوب ليقطع، فيثبت حق الفسخ للأجير لا محالة، فإن فسخ تخلَّصَ، وسلمت منافعُه، وإن تمادى الأجير، ولم يفسخ، فهو الذي تسبب إلى تضييع منفعة نفسه. وإذا أثبتنا للأجير حقَّ فسخ الإجارة على الوجه الذي نفرّع عليه، فلو أراد المستأجر الفسخَ، فلست أرى له ذلك، ولست أعلم في فسخه غرضاً؛ فإنه لو لم يفسخ، لم يلتزم شيئاًً، وغرض الأجير ظاهرٌ في الفسخ. وإذا ترك الأجير الحظ


(١) كل ما بين المعقفين ساقط من الأصل.
(٢) بدا له: أي غير رأيه، وصرف نظره عن قطع وخياطة ذلك الثوب المعين.
(٣) ر. المبسوط: ١٦/ ٢، وبدائع الصنائع: ٤/ ١٩٧، وحاشية ابن عابدين: ٥/ ٥٠.
(٤) في الأصل: " نجيز ".