والمزارعة عند الشافعي مقيسة على المخابرة، وصحح محمدُ بنُ الحسن رحمة الله عليه المزارعة، وقاسها على المساقاة، فإنه من القائلين بصحة المساقاة.
٥٤٠٧ - ثم حكم المزارعة أن الزرع بكماله لمالك البَذر، لا حظ للأجير فيه، وله مثلُ أجر عملهِ، ولا شك أن الأجرة تكون من النقد، وحكم المخابرة أن الزرع بكماله للزراع، فإنه صاحب البَذْر، وليس لمالك الأرض إلا أجرةُ مثلِ أرضه.
٥٤٠٨ - ثم الناس مبتلون بصورة المزارعة مع الحرّاثين، فذكر العلماء حيلاً قريبة في تصحيح الغرض، ذكر الشافعي منها حيلتين- إحداهما- أن [يعير](١) مالكُ الأرض نصفَ الأرض من صاحبه، ثم يأتيان ببَذْر من عندهما، ويعملان فيها معاً، فيكون الزرع بينهما نصفين بحكم الاشتراك في البَذْر. وهذا صحيح.
ولكن عمل مالك الأرض مع الحراث، غيرُ معتاد؛ فالأولى تمهيدُ طريقٍ تُبرىء مالكَ الأرض من العمل.
٥٤٠٩ - فقال الشافعي في ذلك: يكري مالكُ الأرض نصفَ الأرض بنصف عمل العامل، ونصف منفعة الآلات التي يستعملها العامل- إن كانت الآلات له، ويكون البَذْر مشتركاًً، فيشتركان في الزرع على حسب الاشتراك في البذر، فإن ملك الغلّة يتبع ملكَ البذر في الخلوصِ والاشتراكِ، والعملُ يقع نصفُه عوضاًً عن نصف منفعة الأرض، فيعتدل الأمر.
وإذا أراد أن يكون الزرع بينهما أثلاثاً، فليكن البذر بينهما كذلك، فالتعويل على البذر، فإن لم يكن للعامل بذر أقرضه ربُّ الأرض المقدارَ الذي يُشترط له من الزرع، وإذا وقعت الشركة في البَذْر، فلا حاجة إلى شرطٍ في الزرع، ولو جعل بعض البذر أجرةً لبعض عمل الزارع، أمكن ذلك.
ولست للأطناب في مثل هذا؛ فإني لا أنتهض إلا لحل المشكلات، وأرى الاجتزاءَ بالمرامز في الجليّات.