للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الباب موافقٌ لهذه الطريقة؛ فإنه قال في ذكر ما لا يجوز التَوضؤ به، أو غير ذلك، مما لا يقع عليه اسم ماء مطلق: "حتى يضافَ إلى ما يُخالطه أو خرج منه" وهذا ظاهرٌ في أن أدنى تغيّر لا يُؤثر.

٩ - وذكر طوائفُ من أئمتنا مسلكاً آخر في ضبط مقصود هذا الباب، ونفتتحه بالقول في المتغير بمخالطة ما يمكن صون الماء عنه.

ذهب أئمّةُ العراق إلى أن الماء إذا تغيّر بالزعفران وما في معناه أدنى تغيّرٍ، خرج عن كونه طهوراً، وهذا ما كان ينقله شيخي (١) عن القفال (٢).

ولست أرى لهذا المسلك وجهاً سديداً، لكنّي أذكر الممكنَ في توجيهه، فأقول: لعلّ هؤلاء يقولون: المكلّفون فهموا من ذكر الماءِ في الطهارات أنه شيء لطيفٌ عامُّ الوجود، يقلع آثار النجاسات، ولا يُكسب ما يُغسَل به صفةً في نفسه، وقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: ٤٨] يشير إلى الماء الباقي على صفاتِ فطرته، والماءُ المتغيّر -على هذا التقدير- خارجٌ عمّا فُهم من صفة الماء، والماء الكثير الذي لا يقبل النجاسة ما لم يتغيّر، إذا تغيَّر بها أدنى تغيّرٍ، صار نجساً، فتغيُّرُ الماء القليل بمخالطة الطاهرات، كتغيّر الماء الكثير بالنجاسة على موجَب هذه الطريقة.

فأمّا ما يتغيّر بالمجاورة، كالماء المتغيّر برائحة الكافور الصلب وغيرِه، فيجوز التوَضؤ به عند هؤلاء، وإن كانوا يكتفون في المخالطَة بادنى تغيّر؛ فإنّ اكتساب الماءِ رائحةَ الكافور الواقع فيه كاكتسابه رائحة الكافور بالقرب منه غيرَ واقعٍ فيه.


(١) شيخي: يريد والده رضي الله عنهما، فهو أستاذه الأول، وهو أبو محمد: عبد الله بن يوسف الجويني إِمام عصره، تفقه على أبي الطيب الصُّعلوكي، وقدم " مرو " قصداً لأبي بكر بن عبد الله بن أحمد القفال المروزي، شرح المزني، وشرح الرسالة للشافعي، كان ورعاً، دائم العبادة، مبالغاً في الاحتياط، توفي سنة ٤٣٨ هـ (سير النبلاء ج ١١ ورقة ١٣٧، طبقات السبكي ٥/ ٧٣ - ٩٣).
(٢) سبقت ترجمته، وقلنا: إِن المراد به القفال المروزي، المعروف بالصغير، وهذا عند الإطلاق دائماً.