للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٥٥٧٩ - وهل يجوز للأئمة بعده أن يحموا؟

أما إن حمَوْا لخاصتهم، لم يجز، وإن جاز لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو إذاً معدودٌ من خواصّه، وخصائصه.

وهل للأئمة أن يحموا لمصالح المسلمين؟ فعلى قولين: أحدهما - لا يجوز لهم ذلك، كما لا يجوز لآحاد الناس، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا حمى إلا لله ورسوله " (١).

والثاني - يجوز، والحديث محمول على الحمى للخاصة، بدليل ما روي في بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم قال: " لا حمى إلا لله ولرسوله وللأئمة بعده " (٢).

وصح أن عُمر حمى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الزَّبَذة، وولّى حماه مولاه هُنَيّ، وقال " يا هُنيّ ضمَّ جناحك للناس "، وعنى به تواضع ولا تتكبر، " واتق دعوة المظلوم؛ فإن دعوة المظلوم مجابة، وأدخل ربّ الصُرَيْمة والغُنيمة، وإياك ونَعَم ابنِ عوف ونعمَ ابنِ عفان؛ فإنهما إن تهْلِك ماشيتُهما يرجعا إلى نخل وزرع، وإن رب الغنيمة يأتيني بعياله، ويقول: يا أمير المؤمنين أفتاركُه أنا؟ لا أبالك، فالكلأ أهون عليّ من الدينار والدرهم " (٣) وأراد به أنه إن هلكت ماشيته، احْتجتُ إلى الإنفاق عليه من الدنانير والدراهم في بيت المال، والكلأ دونهما.

٥٥٨٠ - ثم قال: " حمى رسول صلى الله عليه وسلم النقيع " ثم فسر النقيع، فقال: " هو بلد ليس بالواسع الذي إذا حُمي ضاقت البلاد على أهل المواشي حوله ". وقال: " وإنه قليل من كثير مجاوزٌ للقدر ". وهذا مختلٌّ؛ فإن الشافعي قال: " فإنه


(١) رواه البخاري، وجعله ترجمة للباب بلفظه، فقال: باب لا حمى إلا لله ولرسوله. وهو برقم الحديث السابق نفسه. وانظر التلخيص: ٢/ ٥٣٣ حديث ١١٠٦.
(٢) لم أصل إلى هذه الرواية.
(٣) حديث عمر ومولاه هني رضي الله عنهما رواه البخاري بهذا السياق، غير أنه لم يذكر الربذة (كتاب الجهاد، باب إذا أسلم قوم في دار الحرب، ح ٣٠٥٩)، وقد بين ابن سعد أنه كان على حمى الربذة (فتح الباري ٦/ ١٧٦) ورواه الشافعي في مسنده: ح ٤٣٤، وعبد الرزاق في المصنف: ح ١٩٧٥١.
وننبه هنا إلى أننا اعتمدنا في مراجعة نص الحديث في البخاري طبعة دار السلام للكتب الستة في مجلد واحد، وفيها " ... إن تهلك ماشيتهما يرجعان ... " كذا بإثبات النون؛ مما لفت نظرنا وجعلنا نبحث لها عن وجه في شواهد التوضيح والتصحيح لابن مالك، وأخيراً راجعنا كثيراً من طبعات البخاري فلم نجد في أيٍّ منها إثبات النون، فليتنبّه الباحثون لذلك.