كتاب نهاية المطلب في دراية المذهب

كتاب إحياء الموات - ج: 8 - ص: 289

قليل من كثير غيرُ مجاوز للقدر "، وقد يتجه تصويب المزني بأن نجعل (مجاوز) نعتاً لكثير، [فنكسر] (١) الزاي، فيقال: من كثيرٍ مجاوزٍ للقدر.

٥٥٨١ - ثم قال الشافعي: " وفي حماه -[عنى] (٢) رسول الله صلى الله عليه وسلم- صلاحٌ لعامة المسلمين، وذكر وجهَ الصلاح (٣).

وكان للعرب في الجاهلية حِمًى، فكان الكبير منهم يحمي لنفسه، إذا انتجع بلداً مخصباً، فكان [يوفي] (٤) بكلبٍ على جبل أو نشزٍ، ثم استعوى الكلبَ، ووقف له من يسمع منتهى صوته، فحيث انتهى عواؤه حماه من كل ناحية لنفسه، وهو يرعى مع العامة فيما سواه، ولا شك في فساد مثل هذا.

ثم قال المزني: ورسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يحمي، إن شاء الله تعالى، لصلاح عامة المسلمين. وهذا استثناء (٥) في غير موضعه؛ فإنه يتضمن شكّاً، وتردّداً، والشافعي لم يقل هكذا، ولم يذكر الاستثناء في حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: إنه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر الاستثناء، فحذف المزني الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضع الاستثناء مكانه.

٥٥٨٢ - ثم احتج الشافعي على أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يحمي إلا لصلاح العامة، وإن جاز له الحمى لخاصته؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يملك [مالاً] (٦) إلا ما لا غنى به وبعياله عنه، وأنه صلى الله عليه وسلم ملك خمسَ الفيء والغنيمة، وأربعة أخماس الفيء، وكان يصرف خمس الخمس إلى الكُراع والسلاح عُدّةً في سبيل الله، وينفق على نفسه وعياله من أربعة أخماس الفيء، ويدّخر منها نفقةَ

---

(١) في الأصل: ونكسر.
(٢) في الأصل: غير.
(٣) عبارة المختصر: "وفيه صلاحٌ لعامة المسلمين بأن تكون الخيل المعدّة لسبيل الله تبارك وتعالى، وما فضل من سهمان أهل الصدقات، وما فضل من النعم التي تؤخد من الجزية، ترعى جميعها فيه .. " جزء ٣/ ١٠٤.
(٤) في الأصل: يؤتى. يوفي بكلب على جبل، أي يعلو به عليه، من أوفى على المكان: أي أشرف عليه. (المعجم. والمصباح).
(٥) يشير إلى قوله: إن شاء الله تعالى.
(٦) زيادة من (د ١)، (ت ٣).