للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّيْل حتى يستوفيه، وأثر سبقه أن يتخفف ويأخد اللائق بحاله، على قربٍ من غير مزاحمة، فإذا فعل، لم نمنعه من أخد النيل أيضاًًً، ولكنه يزاحمه غيرُه؛ فإنه استوفى حقَّ سبقه، وصار في الزائد عليه كغيره، فلو عكف على المعدن، وكان لا يبرح، ولا يمتنع من أن يزاحَم، ولكن كان يأخد مع الآخذين، فالمذهب أنه لا يُمنع منه.

٥٦١٣ - وذهب بعضُ الأصحاب إلى أنه يُمنع ويُنحَّى؛ فإنه في عكوفه مجاوزٌ لعادة

الآخذين من نيل المعدن، والأصح الأول؛ فإن الازدحام غير منكر في نيل المعادن، ولو كان يبتكر إلى المعدن كلَّ يوم، أو كان يبعث إليه غلمانه [يتناوبون] (١)، فلا منعَ.

٥٦١٤ - ولو استبق رجلان إلى المعدن، فإن استمْكنا من الاشتراك في أخد النيل، اشتركا فيه، وإن ضاق مدخل المعدن (٢)، ففي المسألة وجهان:

أحدهما - أنه يُقرع بينهما، فمن خرجت قرعته، قُدّم، فيستوفي حقَّه على ما فسرناه في حق السابق، والقرعة تُلحقه بالسابق، كما (٣) إذا ازدحم رجلان على مجلس القاضي، فإنا نقرع بينهما، فمن خرجت قرعته، قدم، كما نُقدِّم السابق.

والوجه الثاني - أن الإمام يقدّم بالاجتهاد أحدَهما، من غير قرعة.

وذكر أصحابنا مسلكاً ثالثاً، فقالوا: ينصب القاضي من ينوب عنهما، ويأخد قدرَ ما يحتاجان إليه، ويقسم بينهما.

وهذه الأوجه تحتاج إلى مزيد بحث. أما وجه القرعة، فبيِّنٌ، وأما تقديم القاضي، فليس يستند إلى تَشَهٍّ (٤)، وإلى وفاقٍ في انطلاق اللسان، وإنما يرجع إلى رأي، فإن خفي، مثل أن يرى أحدَهما أفقر وأضيق وقتاً، فيقدمه لهذا، فإن استويا عنده، اضطر إلى القرعة، إذا دام نزاعُهما.

ثم ما أشرنا إليه من وجوه الرأي لا يجوز أن يستمسك به المستبقان؛ فإن الرأي يدِق فيه، فهو مفوضٌ إلى من إليه الأمر، وأما ما ذكره بعض أصحابنا وجهاً ثالثاً من


(١) في الأصل: يتناولون.
(٢) أي فتحةُ المنجم، كما فسرناه في التعليق آنفاً.
(٣) (د ١)، (ت ٣): فلما.
(٤) (د ١)، (ت ٣): تشيه.