للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جلس جالس أمامه أو بالقرب منه، بحيث يتعذر عليه انبساطُه في الكيل والوزن والإعطاء والأخذ، كان ذلك تزاحماً ممنوعاً، فإنا إذا أثبتنا للسابق إلى المقعد حقّاً، فقد التزمنا توفيرَه عليه، وهذا يُثبت لمقعده حريماً، والمحكَّمُ في مثله العادةُ.

وذكر بعضُ من لم يُحط بحقيقة ذلك شيئاً أَشْعَرَ بذهوله، فقال: لو جلس بجنبه من يمنع المساومين معه، لم نتركه (١)، وهذا ليس بشيءٍ؛ فإنه جارٍ في الدكاكين المملوكة، فلا تزيد المقاعد عليها، وإنما المرعي ما نبهنا عليه من الانبساط، مع الرجوع إلى العادة، وقد يختلف بكثرة القاعدين، وضيق المقاعد؛ فإن أصحابها يتضامّون إذا كثروا، ويتوسعون إذا قلّوا، وموجب الشرع الحملُ على أحسن المراشد في العوائد.

٥٦٢٢ - ومن تخيّر بقعةً، وجعلناه أولى بها، فإنه يُزايلها ليلاً، وهو أولى بها، إذا كان ينتابها، ولا يسوغ لسابقٍ أن يسبق إلى مجلسه لتخلّل قيامه، وليس ذلك بمثابة المعادن الظاهرة؛ فإنها لا تتعين لمنتابٍ؛ إذْ مبناها على الاشتراك، وليس فيها حق الاختصاص إلا على قدرٍ ذكرناه في السابق، ومبنى المقاعد على الاختصاص.

ثم المتبع فيه الاعتيادُ، ومن يتخيّر مقعداً يبيع فيه ويشتري، أو يحترف، فغرضه الأظهر أن يظهر مكانُه، حتى يعرفَه المعاملون، وهو الركن الأعظم في المكاسب، فإذا كان هذا هو المقصود في تعيين المقاعد، فلا بد من الوفاء به.

٥٦٢٣ - وأنا أقول: لو جلس الجالس في بقعةٍ، ولم يضيِّق على الطارقين، لم يُزعَج، وإذا لم يكن له غرضٌ كما نصصنا عليه، فليس له حقُّ العوْد إلى ذلك المكان، حتى يقالَ لو سبق إليه سابق، لم يكن له ذلك؛ إذ لا غرض للجالس فيه؛ حتى يقالَ: يتعطل غرضه بتفويت مجلسه.

٥٦٢٤ - ثم إذا عيَّنا المقعد لذي الغرض الصحيح، فلو استأخر يوماً ويومين، لم ينقطع حقه عن المقعد، سواء كان معذوراً أو غير معذور، وإن طال الزمان وتمادى


(١) المعنى لو جلس بجواره من ينافسه في بضاعته نفسها، فيجذب المساومين والمبتاعين ويمنعهم بجلوسه عن الشراء منه، لم نتركه.
ووجه الذهول والخلل في هذا الكلام، أن هذا التنافس بين المتجاورين موجودٌ في الدكاكين المملوكة، والاختصاص بالمقاعد لا يمكن أن يزيد على الدكاكين المملوكة.