للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل، لم يعطَّل المقعد، وكان للغير السبقُ إليه. وكذلك إذا غاب غيبةً بعيدةً.

هذا ما أطلقه الأصحاب، وما ذكروه كلام مرسل [ومقصودنا] (١) ضبطُه، ولم يهتم به أئمةُ المذهب، ولم يُعملوا فيه وفي أمثاله القرائحَ الذكيةَ، واكتفى الناقلون عنهم بظواهر الأمور، وانضم إليه قلة الاعتناء (٢) بالبحث، فصار أمثال ذلك عماية عمياء، والموفق من يهتدي إلى المأخد الأعلى (٣)؛ فإن مذهب إمامنا الشافعي تَدْواره على الأصول، ومآخد الشريعة.

٥٦٢٤/م- وأنا أقول مستعيناً بالله تعالى: إن أضرب صاحبُ المقعد، وتبيّن إضرابه، بطل حقُّه على قربٍ من الزمان، وذلك بأن يَبْذُل مجلسَه لغيره، أو يتخذ مقعداً آخر، وأخد ينتابه، فيتبين إضرابُه عن الأول.

هذا مسلك في بطلان اختصاصه بالمقعد الذي تخيره.

وإن لم يفعل ذلك، ولكن وُجد يختلف بعذر أو بغير عذر، فالذي ذكره الأصحاب فيما (٤) لا يُبطِل حقَّه اليومَ (٥) واليومين، ولو روجعوا في الثلاثة والأربعة، لاسترسلوا عليها، ولا يمكننا أن نقول: المعتبر الزمن الذي يدل مثله على الإضراب، فإن المريض المعذور إذا طال زمانُه غيرُ مضرب، ويبطلُ حقُّه، وكذلك من استفزَّه سفرٌ، لم يجد منه بداً، فحاله يُظهر عدمَ إضرابه، فالوجه أن يقال: لا حقَّ في [تعيُّن] (٦) المقعد إلا أن يُعرف فيعامل، وإلا فمقعد كمقعد، فكل زمانٍ يظهر فيه انخرامُ الغرض، ففيه سقوطُ حقه، فإذا طال انقطاعه، انقطع أُلاّفُه، واستفتحوا المعاملةَ مع غيره، فينقطع غرضُه، في تعيّن المقعد (٧).

ولهذا لم نفصل بين المعذور وغيره، فإذا عاد، كان كمن يتخيّر مقعداً على الابتداء.


(١) في الأصل: ومقصوده.
(٢) (د ١)، (ت ٣): قلة الرغبات في البحث.
(٣) (د ١)، (ت ٣): الأصلي.
(٤) (د ١)، (ت ٣): فيها أنه لا يبطل.
(٥) اليومَ (مفعول ذكره)، وفاعل (يبطل) ضمير مستتر.
(٦) في الأصل " تعلّق ". وآثرنا هذه لمّا رأيناه في نسخة الأصل في السطور التالية.
(٧) عبارة (د ١): فينقطع غرضه، فينقطع حقه في تعين المقعد.