للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال الأصحاب: لو اتخد متخذٌ بالقرب من البئر مبقلةً، أو مزرعةً، فأراد أن يسقيها من فاضل ماء البئر، فليس له ذلك؛ فإنّ حقَّ السقي إنما ثبت لحرمة أرواح المواشي.

وهذا وإن أطلقه الأئمة كذلك في الطرق، يتطرق إليه احتمالٌ -من جهة القياس- ظاهرٌ؛ فإن حافر البئر إذا لم يصر مالكَها، ولم يصر مالكاً لجَمَّتها، وإنما يثبت له حق الاختصاص والتقدم بقدر الحاجة، فالقياس أن الفاضل عن الحاجة بمثابة الماء العِد الذي يشترك الناس كافة فيه. هذا وجه الاحتمال. والذي ذكره الأصحاب ما قدمناه من أنه لا يَمنع فضل مائه الماشيةَ، ويمنعه من المزارع وغيرِها.

وفي هذا تفصيلٌ لا بد من التنبّه له. وهو أن الذي لا يقصد تملك البئر إن كان يقصد كونَه أولى بالاستيلاء على البئر والاحتكام في مائه، فهو على موجب قصده أولى، وهذا الحكم يوجب له حق الاختصاص، وإن لم يكن ملكٌ. ولو أجرينا قياسَ الاختصاص على حقِّه، لما أوجبنا عليه بذلَ فضلِ مائه للمواشي من كير ضرورة، ولكن أوجبنا [ذلك] (١) للخبر. وحق الاختصاص مطّرد في غير المواشي.

هذا إذا قصد الاختصاص مطلقاً.

وإن خطر له في احتفاره أن يتقدم بقدر حاجته من غير مزيد، فهذا موضع الاحتمال، فيجوز أن يقال: لا حكم له في الفاضل، وليس له منعه من أحدٍ من الناس، سواء طلبوا سقي المواشي به، أو سقي المزارع، ويجوز أن يقال: إذا ثبت اختصاصه، لم يتبعض، والبئر بحكم ذلك الاختصاص تحت يده وتصرفه [والاختصاص] (٢) لا يتبعض حكمه، حتى يثبت من وجه وينتفي من وجه.

وهذا يتضح بذكر الحالة الثالثة.

٥٦٥٩ - وهي أنه إذا احتفر بئراً، ولم يقصد أن يختص بمائها، ولم يظهر منه قصد التملك ولا قصد الاختصاص، فالذي ذهب إليه المحققون أن الحافر مع كافة الناس


(١) ساقطة من الأصل.
(٢) مزيدة من (د ١)، (ت ٣).