للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ماء البئر عن حاجةِ حافرها، فليس له أن يمنع الفاضل من حاجته من الماشية الواردة؛ فإن منعَ فضل الماء يكون سبباً لمنع الكلأ في تلك الناحية؛ إذ الماشيةُ إنما ترعى بقرب الماء، فإذا منع صاحب البئر فضلَ مائه، فكأنه منع الكلأ في تلك البقعة.

هذا هو المعنيّ بقوله صلى الله عليه وسلم: " ليمنع به الكلأ ".

٥٦٥٦ - ثم تفصيل المذهب بعد بيان الحديث أن من احتفر بئراً، لم يخل من ثلاثة أحوال:

أحدها - أن يقصد تملك البئر.

والآخر - ألا يقصد تملكها، ولكن قصد استعمال مائها في جهة حاجاته.

والثالث- أن يحتفر بئراً ولا يقصد شيئاً.

٥٦٥٧ - فإن احتفر وقصد التملك ملك البئر كما (١) ظهر الماء، ولا يتوقف استقرار ملكه على أن يصير الماء غديراً، ثم إذا ملك البئر، صار أوْلى بالماء والتفريع على أن الماء يُملك، فجمَّةُ (٢) البئر مملوكةٌ لمالك البئر، وهي بمثابة ما لو أحرز ماءً في قربة، أو آنية، أو انتزح ماءً، وجمعه في حوض. فإذا صار مالكاً للماء، فإذا أدركت ماشيةٌ، لم يلزمه تركُ فضلِ مائه لها، ولي الحديث في هذا القسم.

وإن أشرفت الماشية على الهلاك سقاها فضلَ مائه بالقيمة.

والجملةُ أن الماء في البئر المملوكة بمثابة الماء المجموع في الحوض، والأواني.

٥٦٥٨ - فأما إذا لم يقصد تملكَ البئر، ولكن قصدَ الانتفاعَ بمائها، فإنه يتقدم في انتفاعه، فإذا فضل الماءُ عن حاجته وحاجة ماشيته، وعن مزرعةٍ هيأها بالقرب من البئر، فيجب بذلُ الماء للمواشي، كما نطق الخبر به، وهو محمول على هذه الحالة. ثم ذلك الفاضل لا يتقوّم؛ فإنه لم يَملك رقبةَ البئر، بل صار أولى بها، كذلك هو أولى بمائها على قدر حاجته، والفاضلُ في حق الماشية كالماء المباح العِدّ.


(١) كما ظهر: بمعنى عندما ظهر.
(٢) جمّةُ البئر: ما يرجع من مائها بعد الأخد منه. والمراد هنا ما هو متجمع في البئر.