للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جهةٍ، والغرض منه أن يملكوا ما يحصل من غَلّةٍ وثمرة، فللشافعي في هذا الصنف ثلاثة أقوال: أحدها - أن الملك في رقبة الموقوف يبقى للواقف، ويثبت لمن عليه الوقف استحقاقُ الرَّيْع والفائدة.

والقول الثاني - أن الملك يزول إلى الموقوف عليه في الرقبة، ولكنه محبَّس، لا يباع، ولا يوهب ولا يورث، فيثبت ملك التصرف في الفوائد، وملك التحبيس في الرقبة.

والقول الثالث- أن الملك في الرقبة يزول إلى الله تعالى، والفوائد يستحقها الموقوف عليه.

وما يقع مضاهياً للتحرير كجعل البقاع مساجدَ، لا يتجه فيه إلا زوالُ الملك إلى الله تعالى، على تفصيلٍ سيأتي في المسائل، إن شاء الله عز وجل.

٥٦٧٦ - وحقيقة مذهب أبي حنيفة (١) ردُّ الوقف إذا كان المقصود به تمليكَ الفوائد، ومن أصله أنه يلزم بالتسجيل، وهذا يخرّج على اتباع قضاء القاضي في مواقع الخلاف، ونُقل عنه أنه ألزم الوصية بالوقف إذا خرجت من الثلث، وهذا عنده بمثابة الوصية بالمنافع والثمار، فلا يصح الوقف على أصله (٢) بنفسه (٣)، وسلّم لزومَ جعل البقاع مساجدَ ومقابرَ، ولم ير ذلك وقفاً، وإنما اعتقده تحريراً.

٥٦٧٧ - فإذا تمهد ما ذكرناه ترجمةً، فنذكر بعد ذلك فصلين في مقدمة مسائل الكتاب: أحدهما - في الألفاظ وذكر الصريح منها، والكناية. والثاني - في بيان ما يصح وقفه.


(١) ر. مختصر الطحاوي: ١٣٦، البدائع: ٦/ ٢١٨، الاختيار لتعليل المختار: ٣/ ٤٠.
وما ذكره إمامنا هو قول أبي حنيفة وزفر، وأما أبو يوسف ومحمد، فعندهما لا يشترط شيء من هذا، فقد وافقا الشافعية.
(٢) " على أصله " أي أصل أبي حنيفة وقواعده، فإن من أصله أن الوقف لا يصح، لأنه حبسُ الرقبة، وتصدقٌ بالثمرة، والثمرة معدومة، وعنده لا يجوز التصدق بالمعدوم، ولذا يصح عنده الوقف إذا كان موصىً به، ويكون إذاً وصيةً بالمنافع، وهي تصح عنده.
(٣) أي بذاته بصفته وقفاً، وانما يصح إذا كان في صورة وصيةٍ بالمنافع، كما وضحناه في التعليق السابق.