للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والوجه الثاني - أن التسبيل من السبيل، وهو لفظ مبهم، والتحبيس معناه حبس الملك في الرقبة عن التصرفات المزيلة، فكان في معنى الوقف.

٥٦٧٩ - ومما يتعلق بذلك أن الأصحاب ترددوا في لفظ الوقف إذا استُعمل فيما سبيله مضاهاة التحرير، مثل أن يقول مالك البقعة: وقفتها على صلاة المصلين، وهو يبغي بذلك جعلَها مسجداً.

ثم من تردد في التحبيس والتسبيل، جعلهما صريحين إذا اقترنا بالقرائن المشهورة في الباب، مثل أن يقول: حبّست على فلان كذا، تحبيساً محرّماً مؤبداً، أو ذكر التسبيل وقرنه بما ذكرناه.

٥٦٨٠ - وقد ذكرنا أن لفظ التصدّق لا يستقل في الباب، إذا تجرّد وفاقاً، وسبب ذلك أنه يستعمل صريحاً في التبرع بالأعيان، فيقول من يصرف طائفةً من ماله إلى محتاج: تصدَّقتُ بهذا عليك، وهو يبغي تمليكه الرقبةَ تقرباً إلى الله تعالى، والمتصدَّقُ عليه يتصرف في الرقبة تصرفَ الملاّك.

فلو قال: تصدقت بهذا على فلان وفلان، -وذكر معينين- صدقةً محرَّمةً مؤبدةً، أو قال: تصدقت على المساكين صدقةً محرّمةً مؤبدةً، فللأصحاب اضطرابٌ في لفظ الصدقة مع التقييدات التي ذكرناها. فذهب الأكثرون إلى أن اللفظ إذا [تقيد، التحق] (١) بالصرائح في الباب، وهذا ظاهر المذهب.

وامتنع آخرون، وسبب الامتناع أن التصدق صريح في تمليك الرقبة على خلاف الغرض المطلوب في الوقف.

وذهب ذاهبون إلى اشتراط التقييد بقطع التصرف عن الرقبة، مثل أن يقول: لا يباع ولا يوهب؛ فإن التحريم والتأبيد مع لفظ الصدقة قد يحملان على تأكيد الملك في الرقبة على معنى أن الملك فيها [مسرمدٌ] (٢) لا ينقضه المتصدق.


(١) في الأصل: تقيدت الثمن. وهو تحريف ظاهر.
(٢) كذا في: (د ١)، (ت ٣)، وفي الأصل: غير واضحة الحرت الثاني (السين). والسَّرْمد الدائم الذي لا ينقطع. ولم يرد للفعل (سَرْمد) ذكرٌ في المعاجم التي رأيتها (اللسان، والأساس، والقاموس، والمصباح، والمعجم، والزاهر) فقد ذكر من الاسم فقط (السرْمد).