فإذا تجدد العهد بهذه الأصول، فمن أئمتنا من لم يصحح وقفَ الكلب وإن صححنا إجارته؛ لأن رقبته ليست مملوكة، والوقف يستدعي وروداً على رقبةٍ مملوكة، ولهذا يمتنع وقفُ الحرِّ نفسَه، وإن كان يصح منه أن يؤاجر نفسَه.
ومن أصحابنا من خرّج صحة وقف الكلب على صحة هبته؛ فإن الوقف إثبات اختصاصٍ في جهةٍ، فكان في معنى الهبة، وليس الكلب فيه كالحر؛ فإنه ليس مملوكاً، وليس في رقبته اختصاص.
وبنى الشيخ أبو حامد جواز وقف الكلب على جواز إجارته.
هذه مسالك الأصحاب في وقف الكلب.
٥٦٨٥ - وأما وقف أم الولد، فقد اختلف أصحابنا فيه، ورتبوا الخلاف على الوجهين في وقف الكلب، وجعلوا وقف المستولدة أولى بالصحة؛ من جهة أنها مملوكة، ولم يمتنع فيها من أحكام الملك إلا البيع والرهن، وبنَوْا الخلافَ على أن الوقف هل يتضمن نقلَ الملك إلى الموقوف عليه؟ وفيه الاختلاف المقدم.
فإن قضينا بأن رقبة الوقف مبقَّاة على ملك الواقف، فلا يمتنع وقف المستولدة، وإن حكمنا بأن الوقف يتضمن نقل الملك في رقبة الموقوف إلى الموقوف عليه، فالوقف باطل؛ فإن الملك في رقبة الموقوف لا يقبل النقل.
هذا منتهى القول فيما يصح وقفه وفيما لا يصح وقفه.
٥٦٨٦ - ثم إن صححنا وقف المستولدة فلو عتَقَت بموت مولاها، انفسخ الوقف وزال؛ لأن الوقف يناقض حرية الموقوف.
٥٦٨٧ - وقد ذكرنا أن العبد المستأجر إذا عتَقَ في أثناء المدة، فالظاهر أن الإجارة لا تنفسخ، والفرق ما قدمناه من أن الوقف ينافي الحرية، والإجارة لا تنافيها. وقد جرت من مالكٍ لها، ويعتضد ما ذكرناه بأن الإجارة مؤقتة، والوقف مبناه على التأبيد، فيستحيل بقاؤه بعد زوال الرِّق، ولا حاجة إلى هذا مع العلم بأن النكاح معقود على التأبيد والحرية الطارئة عليه لا توجب انفساخ النكاح، فالتعويل على ما قدمناه من أن الوقف في موضوعه يستدعي ملكاًً تاماً. كما قدمناه.