للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التأبيد، وبه تميّز عن العواري، ولما رسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرَ الوقفَ والتحبيس، قيّد عمرُ رضي الله عنه التحبيسَ بالتأبيد والتحريم. والوقفُ في الحقيقة قربةٌ يبغي [المتقرِّب بها] (١) إدامتها. هذا وضعها ومبناها، والصدقات المملِّكةُ تقطع سلطان المتصدق، وتنتهى نهايتَها بالوصول إلى يد المتصدَّق عليه، والوقف هو الصدقة الجارية، فإذا لم يثبت له مصرف متأبَّد، كان مائلاً عن موضوعه. هذا هو القول الصحيح وبه المنتهى.

والقول الثاني - أن الوقف يصح؛ فإنه ليس فيه تأقيت، والموقوف عليه إذا تعلّق الاستحقاق بعمره جانب الوقفُ التأقيتَ، والنكاحُ مع ابتنائه على التأبيد ينتهي بانتهاء عمر أحد الزوجين.

وذكر صاحب التقريب قولاً ثالثاً: أن الوقف إذا كان في عقارٍ، لم يصح إنشاؤه منقطعَ الآخر، وإن كان الوقف في حيوان، لم يمتنع ألا يتأبد مصرفه، فإن الحيوان المحبَّس إلى الهلاك مصيره، فإذا وقف مالكُ الحيوان الحيوانَ على شخص معين، كان ارتقاب بقاء الموقوف مع وفاة الموقوف عليه متعارضاً في التقدير بارتقاب موت الموقوف، مع بقاء الموقوف عليه.

هذا بيان الأقوال في الأصل. وحقيقتها تتبين بالتفريع.

٥٦٩١ - فإن حكمنا بفساد الوقف، فهو جرى لغواً، والموقوف مقَرٌّ على ملك الواقف، لا يتعلق به استحقاقُ المسمَّيْن، ولا استحقاقُ غيرهم في حياتهم وبعدهم.

٥٦٩١/م- وإن حكمنا بأن الوقف صحيح، فهو [لازم] (٢) في بقاء المسمَّين وريعُه مصروف إليهم ما بقوا؛ وفاءً بشرط الواقف، فإذا تصرّم المذكورون، وانقضَوْا، ففي المسألة قولان: أحدهما - أن الوقف ينتهي بانقضائهم انتهاء النكاح بموت أحد الزوجين، ثم حكم انتهائه أن يرتد ملكاً، كما كان قبل الوقف.

والقول الثاني - أن الوقف لا ينقطع بانقراض المسمّين.


(١) في الأصل: المتصرّف بها.
(٢) في الأصل: نازل.