وهذا الخلاف بمثابة الخلاف الذي ذكرناه فيه إذا هرب الجمّال، ومَسّت حاجةُ المستأجِر إلى الإنفاق على الجمال.
فإذا أنفق من مال نفسه، فهل يملك الرجوع على الجمّال؟ فعلى الخلاف الذي ذكرناه.
وذهب بعض الأئمة إلى ترتيب إنفاق الملتقط من مال اللقيط على إنفاق المستأجِر في مسألة هرب الجمّال، وجعل إنفاق الملتقط أولى بالجواز لسببين: أحدهما - أنه ذو حضانة وولاية في اللقيط، فلا يبعد أن يتصرف في ماله إذا عسُرت مراجعةُ الوالي.
والآخر - أنه إذا أنفق من ماله على الجمال، فإذا أراد الرجوع، فإنما يرجع بحق نفسه على غيره، فبعُد ذلك بعضَ البعد، وليس كذلك إنفاق الملتقط على اللقيط؛ فإن الذي يرتقبه في عاقبة الأمر أن يصدَّق، وإذا كان مؤتمناً في نفس اللقيط، لم يبعد أن يؤتمن في ماله إذا عسر الرجوع إلى الوالي.
هذا كله إذا كان للطفل مالٌ.
٦٠٤٤ - فأما إذا لم يكن له مال، فنفقته في سهم المصالح. أجمع عليه علماء الصحابة رضي الله عنهم، كما حكيناه في أول الباب.
ومضمون هذا الكلام الآن يتصل بطرفٍ من الإيالة (١)، وقلّما يخوضُ الفقهاء فيها، فيسلمون عن خبطٍ.
ونحن نذكر ما قيل في ذلك، ثم نوضح الحق:
٦٠٤٥ - فإن لم يكن في بيت المال مالٌ، ولم يتمكن الإمام من الاستدانة، فنفقة المنبوذ على أهل اليسار والاقتدار من المسلمين، وهذا ركنٌ عظيم في الإيالة، فلا شك أن السلطان لا يقدر على فضّ نفقته على جملة الموسرين في الصُّقع والناحية، فضلاً عن أهل خِطةِ الإسلام، وليس هذا مما ينفصل الأمر فيه بقرعة؛ فإنها إنما تجري عند انحصار الجهات، أو الأشخاص. فقال العلماء: يضرب السلطان نفقته على من يراه من أهل البلدة، ويكون له رأي في ذلك، حتى لا يهجم من غير تعلق