وقال: بعضُ أصحابنا: إذا ترك أحدهما حقه، وقلنا: إنه لا يُخرج نفسَه من البين، فينصب القاضي أميناً، ويقيمه مقام هذا التارك، ويُقرع بين الباقي من المزدحمَيْن، وبين هذا الأمين الذي نصبه، فإن خرجت القرعة للأمين، سلّمه إليه.
وهذا كلام مضطرب، لا مستند له من أصلٍ، ولا طريقَ إلا ما ذكرناه.
٦٠٦١ - ومما كان يذكره شيخي أنه لو سبق إلى طفلٍ إنسانٌ ووقف عليه ولم يرفعه، فهل يكون وقوفه مثبتاً له حق الاختصاص؛ حتى إذا لحقه إنسان آخر يساويه في الصفات المرعية فيكون السبق له؟ كان يذكر في ذلك وجهين: أحدهما - أنه إنما يصير أولى بحق الحضانة إذا سبق إليه، فرفعه، أو أمر من يرفعه له؛ فإذ ذاك لو لحق لاحقٌ، لم يزاحمه، فأمّا إذا اتصل السابق بمكان اللقيط، واقتصر على الوقوف عليه، فلحقه الثاني، فهما مزدحمان. ففي المسألة احتمال.
٦٠٦٢ - ولو انتهى إلى اللقيط رجل وامرأة، فالأنوثة لا تصيّر المرأة أولى، وإن كنا نقدّم الأم في الحضانة على الأب إذا لم يكن الصبي مميِّزاً، والفرق أن الأم تختصُّ بمزيد شفقة لا يُنكر ذلك منها، ويتأتى منها من [الاحتضان](١) ما لا يتأتى من الأب نفسه، والأب لا يتمكن من تعاطي الحضانة بنفسه، ولو أقام امرأة أجنبيةً حاضنةً، لكانت حضانة الأم أولى من حضانة الأجنبية المتبرعة، أو المستأجَرة، وفي مسألتنا لو أناب الرجل أجنبية في الحضانة، لكان ذلك ممكناً. وإذا عاد النظر إلى حضانة أجنبيتين: إحداهما التي زاحمت الرجل، والأخرى التي يستنيبها الرجل، فلا يبقى فرقٌ.
٦٠٦٣ - ومن تمام الكلام في ذلك أن الصبي إذا بلغ مبلغ التمييز يخيّر بين أبويه في حكم الحضانة كما سيأتي شرح ذلك إن شاء الله تعالى. فلو ازدحم على اللقيط رجل وامرأة، أو رجلان، ولم يتفق انفصال الأمر بينهما حتى ميّز الطفل، فهل نقول: إنه يخير بين المزدحمين، ويُضم إلى من يختاره؟