للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذه المراتب قواعدُ الفصل.

٦١٦٤ - ونحن نرجع إلى أولاها: فإذا بلغ، وأقرَّ بالرق ابتداء لإنسانٍ، من غير أن يتقدم على إقراره هذا دعوى حرية أو تصرف. فالمذكور المشهور في الطرق أن إقراره بالرق (١ مقبولٌ.

٦١٦٥ - وذكر صاحب التقريب قولاً آخر: إنه لا يُقبل إقراره بالرق على نفسه ١)؛ فإن الدار حكمت له بالحرية، فلا يُنقض مقتضى الدار إلا ببيّنةٍ، وشبّه صاحب التقريب الحريةَ المحكومَ بها بظاهر الدار مع الإقرار بالرق بعدها، بالإسلام الحاصل بتبعيّة الدار، ثم اللقيط إذا بلغ وأعرب عن نفسه بالكفر، ففي أصحابنا من نقل قولاً: إنه يحكم بردّته، ولا يُنقض الأصل السابق تبيّناً، فكذلك وجب: ألا تُنقض الحريةُ.

غير أن المسلم يُتصور منه أن يرتدّ، والحرّ الأصلي لا يتصور منه أن يُرِقَّ نفسه.

٦١٦٦ - فإن قلنا: لا يُقبل إقراره بالرق في هذه المرتبة، فلا كلام.

وإن قلنا: يقبل إقراره بالرق -وهو الأصح الظاهر- فيتوصّل من هذا المنتهى إلى ذكر المرتبة الثانية-[وهي إذا] (٢) زعم أولاً أنه حرٌّ بعد بلوغه، ثم أقرّ بالرق بعد ما سبق منه الاعتراف بالحرية.

فالذي قطع به العراقيون أن إقراره بالرق لا يقبل بعد ذلك قولاً واحداً، فإن الحكم الظاهر بحريته في صباه تأيّد، وتأكّد بإعرابه عن نفسه بعد بلوغه بالحرية، فإذا أراد أن يناقض ذلك، كان كما لو بلغ اللقيط، فأعرب عن نفسه بالإسلام، ثم أعرب بعده بالكفر، ولو فعل ذلك، كان مرتداً قولاً واحداً جانياً على الإسلام، والفرقُ بين البابين أن الجناية على الإسلام بالردة ممكنة، وخرمُ الحرية بعد ثبوتها وتأكدها (٣) غيرُ ممكن.

وهذه الطريقة هي التي صححها القاضي، وذكر أنها المذهب.


(١) ما بين القوسين ساقط من (ت ٣).
(٢) في الأصل: فإذا زعم.
(٣) في غير نسخة الأصل: وتمكنها.