للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ضرورة نية رفع الحدث ربطُها بأمرٍ، وهو الكَوْنُ في الماء، ولو في لحظة، ويستحيل أن ينوي رفعَ الحدث لا بشيء. وإِن تناهى المصوّر في التصوير، ولم نُقدِّر للملقَى في الماء مقصوداً هو كونٌ أو مكثٌ، فقد رأيت للشيخ أبي علي أنه قال: لا يصح الوضوء؛ فإن النية لا تتحقق من غير تعليقٍ بأمر، فإن جمع بين قصد رفع الحدث وبين قطع النية عما هو فيه، فالنية لا تتحقق.

فإن قيل: أليس الصائم ينوي ولا يصدر منه فعلٌ؟ قلت: الانكفافُ عن المفطرات مما يتأتى ربطُ القصد والاختيار به، وهذا فيه احتمالٌ وإِشكال ظاهر، والذي يُشعر به كلام معظم الأئمة إِطلاق القول بأن النية تصحّ في حق الملقى في الماء من غير تفصيل؛ فإن الملقى إذا كان كارهاً لما هو فيه، فلا يمتنع أن ينوي رفع الحدث بما هو كاره له، والسر فيه أنه إِذا نوى رفع الحدث بما هو فيه، فيكون ما يلابسه مراداً له من وجه، ومكروهاً له من وجه.

وهذا مقامٌ يتعين إِنعامُ الفكر فيه.

١٠٧ - وقد عُدنا إِلى ما كنا فيه من أمر الترتيب، فلو انتهى محدث إلى شَط نهر، واغتسل، فأوصل الماء إلى أسافله، ثم انتكس، فأوصل الماء إِلى أعاليه، ففي ارتفاع حدثه وجهان مرتبان على ما إِذا انغمس في ماء: فإِن حكمنا بأن الحدث لا يرتفع إِذا انغمس، فلأن لا يرتفع إِذا انتكس أولى، وإِن حكمنا بأنه يرتفع ثَمَّ، فهاهنا وجهان مبنيان على المعنيين المقدم ذكرهما.

فإِن قلنا: يرتفع حدث المنغمس لترتب الماء في أوقاتٍ لطيفة، فهاهنا لا يرتفع؛ لأنه نكس الغسل قصداً.

وإِن قلنا: يرتفع حدث المنغمس؛ لأنه جعل الوضوء غسلاً، فهذا المعنى متحقق في هذه الصورة.

فرعٌ لابن الحداد (١):

١٠٨ - قال تفريعاً على أن من أحدث وأجنب، لم تجب عليه رعاية الترتيب في


(١) ابن الحداد: أبو بكر محمد بن أحمد القاضي المصري، صاحب الفروع، من نظار أصحابنا وكبارهم ومتقدّميهم، في العصر والمرتبة، أخذ الفقه عن أبي إِسحاق المروزي، انتهت إِليه =