للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما الاستنجاء بالجلد الطاهر الجافّ، فقد نقل حرملةُ (١) امتناعَه، ونقل البويطي أنه يجوز الاستنجاء به، ونقل الربيع أنه إن كان قبل الدباغ، لم يُجْزه، وإن كان بعده يجوز، فمن أصحابنا من يجعل ذلك أقوالاً.

ووجّه المنعَ بأنه من المأكولات، ووجّه التحليلَ بكونه طاهراً منشِّفاً غيرَ محترمٍ؛ فإن استعمالَ الجلد في النجاسة غيرُ محرم. ومن فصّل، قال: الجلد قبل الدباغ دسم غير نشاف، وإذا دُبغ، فهو نشاف.

ومن أصحابنا من قال: المذهب ما نقله الربيع، والقولان المطلقان في النفي والإثبات محمولان على ما قبل الدباغ وبعده.

وكان شيخي يقول: العظم الطاهر إذا جفّ، وصار بحيث لا يؤكل لجفافه، فلا يجوز الاستنجاء به؛ لأنه على الجملة من المطعومات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه طعام إخوانكم من الجنّ" (٢).


(١) حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة بن عمران التجيبي، المصري، أبو حفص، من أصحاب الشافعي، أحد الحفاظ المشاهير، وكبار رواة مذهبه الجديد، صنف المبسوط، والمختصر. ولد سنة ست وستين ومائة، ومات في شوال سنة ثلاث، وقيل: أربع وأربعين ومائتين. والتجيبي نسبة إِلى تجيب بتاء مثناة من فوق مضمومة، وقيل مفتوحة، ثم جيم مكسورة، بعدها مثناة من تحت، ثم ياء موحدة، وهي قبيلة نزلت بمصر. (له ترجمة في طبقات السبكي: ٢/ ١٢٧، وطبقات الإسنوي: ١/ ٢٨، وطبقات الفقهاء للشيرازي: ٩٩، ووفيات الأعيان: ٢/ ٦٤).
(٢) حديث النهي عن الاستنجاء بالعظم "فإنه طعام إِخوانكم من الجن" رواه البخاري من حديث أبي هريرة، وساقه في باب ذكر الجن، بأتم مما ساقه في الطهارة، ورواه مسلم من حديث ابن مسعود (ر. البخاري: الوضوء، باب الاستنجاء بالحجارة، ح ١٥٥، كتاب مناقب الأنصار، باب ذكر الجن، ح ٣٨٦٠، مسلم: الصلاة، باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن، ح ٤٥٠، تلخيص الحبير: ١/ ١٠٩ ح ١٤٣).