للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النجاسات مجرى نجاسة البلوى، وأنهم كانوا يروْن الاقتصار مختصّاً بهذه النجاسة المخصوصة.

ثم ثارت مذاهبُ متناقضةٌ، فيما نَبّهنا عليه من الإشكال والخروج عن القواعد.

أما أصحاب الظاهر، فإنهم عينوا الأحجار، ولم يقيموا غيرها (١) مقامها، وليس ذلك بدعاً من مذهبهم [في] (٢) اتباع موارد النصوص.

وأما مالك (٣)، فإنه فَهِمَ التعبدَ بزالة عين النجاسة، والعفو عن أثرها، فأقام غيرَ الحجر مقامه، ولم يوجب رعايةَ العدد، وقال: إذا حصل الإنقاء بحجر أو حجرين، كفى، ولا يشتَرِط رعاية العدد.

١٣٢ - وأما الشافعي، فإنه رأى العددَ مرعيّاً، وقال: لو حصل الإنقاء بحجر واحدٍ، تعيّن استعمالُ الثاني والثالث، والإنقاء والعدد جميعاًً مرعيان عنده.

وهذا المذهب متردّدٌ بين التعبّد واعتبار المعنى؛ فإنه من حيث أقام غيرَ الأحجار مقام الأحجار، فقد قال: الغرضُ آلةٌ تُنقي، ولا تنقل، فهذا مصيرٌ منه إلى اعتبار الإنقاء، ولما أوجب مراعاةَ العدد، كان هذا خروجاً عن اعتبار الإنقاء.

وإنما ذكرت مسالك العلماء تنبيهاً على محلّ الإشكال.

ثم ما ذكره الشافعي هو المسلك المقتصد، والمنهج الوسط، ووجهه أنا فهمنا أن الغرض رفعُ عين النجاسة، ومن أنكر هذا الأصل، فهو جاحدٌ؛ فليس استعمالُ الأحجار في الاستنجاء بمثابة رمي الجمار؛ فإن الرميَ لا يعقل منه غرض، ولا محمل له إلا التعبّدُ المحض، والتزام الأمر؛ فتعيّنت الأحجار فيها، وأمّا الاستنجاء، فالغرض منه معقول، لا يُتمارى فيه؛ فاقتضى ذلك إقامةَ غير الأحجار مقام الأحجار.


(١) ساقطة من: (د ٣).
(٢) في الأصل، (د ٣)، (م): من.
(٣) ر. الإشراف: ١/ ١٤٠ مسألة ٦٧، حاشية العدوي على شرح أبي الحسن لرسالة ابن أبي زيد القيرواني: ١/ ١٥١، ١٥٥، جواهر الإِكليل: ١/ ١٩.