للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحركاتُ الإرادية، ثم مبتدؤه من أبخرةٍ تتصعّد، فتوافي إعياءً من قوى الدماغ، فيبدو فتورٌ في الحواس، فهذا نعاسٌ وسِنةٌ، فإذا تم انغمارُ القوة الباصرة، فهذا أوّل النوم، ثم يترتب عليه فتورُ الأعضاء واسترخاؤها، وذلك غمرة النوم، فإذاً لا ينتقض الوضوء بالغفوة، وإذا تحقق النوم، لم يُشترط غايتُه؛ فإن الشافعي صار إلى انتقاض وضوء القائم النائم، ولو تناهى النوم، لخرَّ ساقطاً.

ومعظم الإشكال يثور من التهاون بالجليات.

١٤٨ - فالآن نتكلم في حالات النائم، ونذكر سرَّ مذهب الشافعيّ، وقد يحتاج إلى الإشارة إلى مذاهب العلماء، ليتخلص من بينها مذهبُ الشافعي.

فنقول: ذهب أبو موسى الأشعري في طائفةٍ إلى أن النوم في عينه ليس بحدث كيف فرض، وذهب المزني إلى أن النوم في عينه حدثٌ ناقض للوضوء كيف قُدّر، وطَرَدَ مذهبَه في القاعد المتمكّن من الأرض، وألحق النومَ بسائر جهات الغلبة على العقل، وخرَّج ذلك قولاً للشافعي، وإذا انفرد المزني برأي، فهو صاحب مذهب، فإذا خرَّج للشافعي قولاً، فتخريجه أولى من تخريج غيره، وهو يلتحق بالمذهب لا محالة.

وأما المشهور من مذهب الشافعي، فمسلكه ما نذكره، فنقول: لو لم يثبت عند الشافعي أخبار صحيحة في أن نوم القاعد لا ينقض الوضوء، لكُنَّا ننتحي ما اختاره المزني على قطعٍ، ونجعل النومَ في عينه حدثاً كيف فرض، ولكن روي في نوم القاعد نصوصٌ، فمنها: " ما روي أن النبي عليه السلام خرج للصلاة، فصادف طلحةَ نائماً قاعداً، فاحتوى عليه من ورائه، قال طلحة لما انتبه: يا رسول الله أفي هذا وضوءٌ؟ فقال: لا، أو تضع جنبك " (١)، فاستثنى نومَ القاعد، فقال قائلون من حَملةِ المذهب في ضبط المذهب: النوم الناقض هو الذي ينتهي النائمُ فيه إلى حالةٍ يتيسَّر خروج


(١) لم أصل إِليه عن طلحة، ولكن أخرجه ابن عدي، والبيهقي من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، وهو عند النووي في المجموع، وقد ضعفه البيهقي بانفراد (بحر بن كنيز) به، وقال عنه: ضعيف لا يحتج بروايته. (ر. السنن الكبرى: ١/ ١٢٠، نصب الراية: ١/ ٤٥، المجموع: ٣/ ١٢٠).