للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحدث منه، ولو خرج لم يشعر به، فإذا نام القاعد ممكِّناً مقعدته من الأرض، فيبعد خروجُ الحدث، وإن خرج يشعر به غالباً.

وهذا الضبط لا أرضاه؛ فإن من نام مستلقياً، فإليتاه ملتصقتان بالأرض، ولو استثفر بتُبانٍ (١) ونام مستلقياً، فطهارته تنتقض، مع بُعد خروج الحدث، وينتقض الوضوء بأول حدِّ النوم، كما تقدم معناه.

١٤٩ - ومالك يصير إلى أن الطهر لا ينتقض ما لم يثقُل النوم (٢).

فإذاً مأخذ المذهب الظاهر للشافعي، أنه وردت أخبارٌ مطلقة في إلحاق النوم بالحدث، كما روي أنه عليه السلام قال: " من استجمع نوماً، توضأ " (٣)، وقال صفوان: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا كنّا مسافرين ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليَهُنّ إلا من جنابةٍ، ولكن من غائطٍ وبولٍ ونوم " (٤)، فأجرى (٥) النومَ بحكم هذه الظواهر حدَثاً، واستثنى نومَ القاعد للأخبار الصحيحة فيه.

١٥٠ - وأما أبو حنيفة، فإنه قال: من نام على هيئة من هيئات المصلّين قائماً، أو راكعاً، أو ساجداًً، لم يبطل وضوؤه (٦). وظاهر مذهب الشافعي أن الوضوء ينتقض بالنوم على هذه الحالات.

وحكى البُويطي قولاً للشافعي مثلَ مذهب أبي حنيفة، وغلّطه معظمُ الأئمة فيه.

ثم أبو حنيفة لا يفْصل بين أن ينام في الصلاة، وبين أن ينام وهو غير مصلٍّ، فلا


(١) التُبانُ وزان رمّان: سراويل صغيرة يستر بها العورة المغلظة. والاستثفار أن يدخل إِزاره بين فخذيه ملوياً. (القاموس).
(٢) ر. حاشية العدوي: ١/ ١١٩، حاشية الدسوقي: ١/ ١١٨، جواهر الإِكليل: ١/ ٢٠.
(٣) رواه البيهقي من حديث أبي هريرة، بلفظ " من استحق النوم " وفسرها: بأن يضع جنبه، ثم قال: لا يصح رفعه (السنن الكبرى: ١/ ١١٩) وقال الحافظ: وروي موقوفاً وإسناده صحيح، وقال الدارقطني في العلل: إِن وقفه أصح. (التلخيص: ١/ ١١٨ ح ١٦٠).
(٤) حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه سيأتي في باب المسح على الخفين، الفقرة: ٣٩٦.
(٥) أي الشافعي رضي الله عنه وأرضاه.
(٦) ر. بدائع الصنائع: ١/ ٣١، حاشية ابن عابدين: ١/ ٩٥.