للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقضي بانتقاض الوضوء إذا جرى النوم على هيئةٍ من هيئات المصلّين: من القيام، والركوع، والسجود، والقعود.

ونصّ الشافعي في القديم على أن من نام على هذه الهيئات في الصلاة، لم ينتقض وضوؤه، وإن نام في غير الصلاة قائماً، أو راكعاً، أو ساجداًً، انتقض وضوؤه، واعتمد في هذا القول ما روي عن النبي عليه السلام أنه قال: "إذا نام العبدُ في سجوده باهى الله عزّ وجلّ به ملائكته، وقال انظروا إلى عبدي روحُه عندي، وجسده بين يديّ ساجد" (١).

وعندي أن كلَّ قولٍ قديمٍ مرجوع عنه، ومنقول البويطي غلطٌ، فلا يبقى في عقد المذهب إلا مصير الشافعي إلى أن النوم ناقض إلا في حق القاعد، والذي خرّجه المزني أن النوم في عينه حدث كيف فرض، وفي كلام الشافعي تمثيلٌ (٢) يشير إلى ذلك؛ فإنه قال: "ولا يبين إليّ أن أُوجب الطهارة على النائم القاعد" (٣).

فهذا ضبط قاعدة المذهب.

١٥١ - ثم نتكلّم الآن في نوم القاعد على الرأي الظاهر، فنقول: من نام ومقعدته متمكنة من الأرض، غير متجافيةٍ، لم ينتقض وضوؤه، ولو كانت متجافية، أعني سبيل الحدث، انتقض وضوؤه، ولو مكّن المقعدة من مجلسه، ولكنّه كان مستنداً أو متّكئاً، لم ينتقض وضوؤه، وإن كان بحيث لو سلّ السناد والمتّكاً، لخرّ؛ فإن النظر إلى تمكّن المقعدة.

وقد نقل المعلِّقون عن شيخي أنه كان يقول: إذا ظهر اعتماده على السناد بحيث


(١) حديث " إِذا نام العبد في سجوده باهى الله به ملائكته ... "، قال الحافظ: أنكر جماعة منهم القاضي ابن العربي وجوده، وقد رواه البيهقي في الخلافيات من حديث أنس، وروي من عدة طرق، لا تخلو واحدة منها من ضعف ا. هـ ملخصاً (التلخيص: ١/ ١٢٠ ح ١٦٣).
(٢) في (م): ميلٌ. (ل): تخييل.
(٣) نصُّ الشافعي بتمامه هو: " ونحب للنائم قاعداً أن يتوضأ، ولا يبين أن أوجبه عليه، لما روى أنس بن مالك أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا ينتظرون العشاء، فينامون، أحسبه قال: قعوداً " (مختصر المزني - بهامش الأم - ١/ ١٥).