للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يخرّ لو سُلَّ من ورائه، بطل وضوؤه. وهذا غلط من المعلّقين، والذي ذكروه عنه مذهبُ أبي حنيفة (١).

فإن قيل: ألستم رأيتم في تمهيد المذهب أن الشافعي اعتمد الخبر؟ فهلاّ قلتم: لا ينتقض وضوء من يُسمَّى قاعداً، وإن كانت مقعدته غيرَ متمكنة؛ استمساكاً بظاهر الخبر؟

قلنا: المتبع وإن كان خبراً، والقياس لا مجال له أصلاً، فلا ينبغي أن نحسم مُدرَك الفهم في مورد الخبر بالكلية؛ فإن هذا سبيلُ مذهب أصحاب الظاهر. فإذاً فهم الشافعي من حال القاعد تمكين المقعدة. فلو نام القاعد متمكّناً، ثم تمايل في نومه -والمعنيُّ بالتمايل التجافي كما يكون- فإن تمايل، ثم انتبه، بطل وضوؤه؛ فإنه ثبت النوم في حال التجافي، ولو في لحظة. وإن انتبه، ثم تمايل، لم ينتقض وضوؤه.

وإن لم يدر كيف كان الأمر، فالأصل بقاء الطهارة، فلا يُقضى بانتقاضها مع الشك في طرآن الحدث.

١٥٢ - القسم الثالث من الأحداث: اللمسُ: فإذا لمس الرجل امرأة هي محل حلِّه، والتقت البشرتان، انتقضت طهارة اللامس، والمعتمد في هذا ظاهر قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: ٤٣]، وقرأ جمع من القُرّاء: {أَوْ لَمَسْتُمُ النِّسَاءَ}، وقد ذكرنا أن الأقيسة لا مجال لها في إثبات الأحداث، ولا في نفيها، فحلت الظواهر فيها محل النصوص، ثم وراء هذا تصرّف في الظواهر، وتردّدٌ من نصّ الشافعي في معناه، ونحن نبيّنه في مثالٍ، ثم نخرِّج عليه المسائل، فنقول:

قد اختلف قول الشافعي في أن من لمس واحدةً من محارمه هل تنتقض طهارته؟ ونحن نذكر في توجيه القولين ما يمهد قاعدةَ المذهب.

فمن قال بانتقاض الوضوء، اتبع مطلق الاسم، وقال: المحارم تندرج تحت اسم النساء، ومعتمدُ المذهب ظاهر القرآن، وقد قال الله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}.

ومن قال: لا ينتقض الوضوء -وهو الأصح عندي- احتجّ بأن اسم النساء وإن كان


(١) ر. البدائع: ١/ ٣١، حاشية ابن عابدين: ١/ ٩٥.