للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعض نسائه طول نهاره مغضباً، فقلت لها: لا تفعلي ذلك ولا تغترّي بابنة أبي قحافة، فإنها حِبّ النبي صلى الله عليه وسلم، يحتمل منها ما لا يحتمل منك، وكنت قد ناوبت رجلاً من الأنصار حضور مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، فكنت أحضر يوماً، ويغيب في حاجته، فأخبره بما يجري، ويحضر يوماً وأغيب في حاجتي، فيحدثني بما جرى، فكنت في البيت إذْ قرع الأنصاري الباب عليّ، وقال: أَثمَّ عمر، فقلت: نعم. أحدث أمر؟ فقال: نعم، قلت: أجاءتنا غسان؟ - وكنا نحدث بأن [غسانَ] (١) تنعل خيولها لتغزونا فقال: أمر أفظع من ذلك: طلّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، فخرجت من البيت، ودخلت المسجد، ورأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حول المنبر جلوساً يبكون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على [مَشْرُبة] (٢)، وكان أسامة (٣) على الباب، فتقدمت إليه فقلت: استأذن لي، فاستأذن، فلم يُجَب، فرجعت. فلما بلغت بعض حجر المدينة، نازعتني نفسي؛ فانصرفت فقلت: استأذن لي، فاستأذن؛ فلم يجب؛ فرجعت، فلما بلغت بعض حجر المدينة نازعتني نفسي، فانصرفت فقلت: استأذن لي، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوتي، فقال: اصعد، فكان صلى الله عليه وسلم نائماً على حصير من الليف، فاستوى جالساً، وإذا الليف قد أثّر في جنبه، فقلت: إن كسرى وقيصر يفترشان الديباج والحرير وأنت على مثل هذا، فقال صلى الله عليه وسلم: "في شك أنت يا بن الخطاب؟ أما علمت أنها لهم في الدنيا، ولنا في الآخرة"، ثم قصصت عليه القصة، فلما بلغت إلى قولي لحفصة لا تغتري ببنت ابن أبي قحافة بَسِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أطلقت نساءك؟ فقال: "ل". فقلت: الله أكبر" (٤).


(١) في الأصل: غساناً. ولم ندر لها وجهاً.
(٢) بياض بالأصل، والمثبت من نصّ الخبر.
(٣) في بعض روايات الحديث: "وكان على الباب غلام أسود". وفي بعضها: "رباح".
(٤) أثر عمر رضي الله عنه متفق عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما (ر. اللؤلؤ والمرجان: ٢/ ١١٥ - ١٢٠، ح ٩٤٤، ٩٤٥).