٢٤٦ - وقد عنّ لي أن أجمع قول يتعلّق ببيان الحاجات والضرورات في الأحكام المختلفة: فمما يتعلق بالضرورة أكل الميتة، وتعاطي مال الغير، ومنها جواز الإفطار بعذر المرض، ومنها جواز القعود في الصلاة المفروضة:
فأما أكل الميتة، وطعام الغير من غير إذنٍ منه وإباحةٍ، فسيأتي تحقيق القول فيه في موضعه. ولكن أصل المذهب أنه يُشرط في جواز ابتداء الإقدام على أكل الميتة، وطعامِ الغير خوفُ الروح، والسبب فيه أنه تحليل محرّمِ، وقد علّقه الله تعالى بالاضطرار، قال الله تعالى:{فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ}[المائدة: ٣].
وأما الإفطار بعذر المرض في الصوم المفروض، فلا يشترط فيه خوفُ الروح، ولا الخوفُ على فساد عضوٍ، والدليل عليه أن الإفطار جائز للمسافر الأيد القوي، لما يناله من مشاقّ السفر، ولما يتخلّف عنه من إمكان تهيئة المطاعم.
والمرض مقرون بالسفر؛ فلا يخفى على الفطن أن المرض المقرون به لا يشترط فيه خوف الهلاك، ولا يشترط أيضاً إفضاء الصوم إلى مرض مخيفٍ.
فإذا ثبت ذلك، فنقول: لا نكتفي أيضاً بما يسمى مرضاً، خلافاً لأصحاب الظاهر، فما ذكره الأصحاب فيه: أنه إن كان يخاف ضرراً ظاهراً، أو كان يزداد بالصوم، ولو أفطر، لوقفَ، أو خف، فإنه يُفطر، وهذا لا يُحصٍّل ضبطاً يُرجَع إليه.
٢٤٧ - وسأزيد فيه مباحثة، ثم أذكر الممكن في الضبط والترتيب، فأقول: الصوم إذا بلغ بالمكلف شدة الجوع والعطش، وكان لا يخافُ مرضاً، فيجبُ احتمال هذا الجهد؛ إذ الصومُ في نفسه ضررٌ ظاهر، وقد يؤدي أيضاً إلى اختلالِ في البنية، سيّما في حق النحفاء [الممْرورين](١) فالضرر الظاهر أيضاً لا يُبيّن المقصود، وفي
(١) في النسختين وكذا (م)، (ل): المحرورين، والمحرور هو المغيظ فيما رأيناه في المعاجم، ولعلها (الممرور) كما قدرنا، وهو من هاجت عليه المِرَّة، والمرة أخلاط يفرزها =