للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في تزويجه. فإن تولى الولي تزويجه عند طلبه بإذنه، جاز، وإن فوضه إليه -عند وجود شرائطه- جاز؛ لأن عبارته صالحة للعقد.

ولوليه أن ينفرد بالتصرف المصلح لماله من غير مراجعته، كالطفل، ولو فوض إليه عقداً معيناً في المال، فالمذهب صحتُه، وقيل: لا يصح، وهو بعيد؛ لأنه مكلَّف، صحيح العبارة، وبه فارق الصبيَّ والمجنونَ، ويستثنى من ذلك المرأة؛ فإن عبارتها مسلوبة في النكاح خاصة، مع أنها مكلفة تستأذن وتراجع فيه، ولا يستند ذلك إلى معنى محقق.

ومتى أبدى السفيه حاجته إلى النكاح، صُدِّق ولا ينظر إلى بِنْيته (١)، ولا يرجع إلى قول الأطباء فيه؛ لأنه لا سبيل إلى الوقوف على حقيقة الداعي إليه؛ فلا يعرف إلا من جهته، فإذا أخبر عن حاجته إلى النكاح، وجبت إجابته، وقضاء حاجته.

فلو لم نجبه فللعراقيين وجهان: أحدهما - لا يتزوج، لقصوره، وعدم تفويض الولي إليه. والثاني - يستقلّ به، كما لو طلب الطعام. وهذا بعيد عن القياس.

ويتجه أن يقال: يرفع المحجورُ عليه أمره إلى الحاكم، كما لو عضل المرأةَ، وسَلْبُ عبارتها بمثابة منع السفيه من الاستقلال.

وجملةُ حاله إن احتاج إلى المطاعم، ولم ينته إلى الضرورة؛ فاشترى بنفسه، فقد تردد العراقيون فيه. وإن انتهى إلى حد الضرورة، قال: فالوجه عندي القطع بتجويز تصرفه لضرورته؛ لأنه من أهل العبارة، ونَصْبُ الناظر لمصلحته، فعند الضرورة منعُه لا مصلحة له فيه، لكن لا تُتصور الضرورة في النكاح وإن تناهت الحاجة فيه.

والمرضيُّ أنه إن أمكن رفع الأمر إلى الوالي، لم يجز أن يستقِلّ بنفسه، وإن تعذر الرجوع إلى الوالي، ترتب على ما ذكرنا في تحقق الحاجة إلى المطاعم والكسوة وما في معناه، والنكاح أولى بالمنع؛ لأنه لا تتحقق فيه الحاجة تحققها في الطعام ونحوه؛ ولذلك يجب على الأب نفقةُ ولده، ولا يجب إعفافه، وظاهر مذهب العراقيين إجراء الوجهين في استبداده من غير مراجعة السلطان عند امتناع الولي الحاضر.


(١) كذا قرأناها، وهي بهذا الرسم تماماً لكن بدون أي نقط، ويشهد لصحتها قوله: "ولا يرجع إلى قول الأطباء".