للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٧٨٧٥ - فلو أراد السيد أن يستخدم العبد في حضره، أو يسافر به، قال العراقيون: ليس له أن يشغله عن الكسب ما بقي عليه واجبٌ في النكاح؛ لأن ذلك يشغله عن الكسب الذي تعلقت الحقوق به، وهو حسن متجه. والمراوزة أجازوا استخدامه والسفر به، وألزموه ضماناً.

والله أعلم أن أقوى مراتب تعلق الحقوق تعلّقُ الدين بالرهن، وهو مانع للراهن من التصرف في المرهون ما بقي عليه شيء من الدين، ويليه تعلق الأرش برقبة العبد الجاني، وهو دون الأوّلة (١)؛ لأنه لم يتعلق بقصد المالك، فلذلك اختُلف في بيع العبد الجاني قبل فدائه، ويليه في التعلّق ما نحن فيه؛ لأن الأكساب متوقعة غير حاضرة، والوثائق تتعلق بشيء كائن؛ فإذا بعد رهن الدين، فالكسب المتوقع أولى.

قال العراقيون: إذا ضمن السيد لوازم النكاح، لم يُمنع من استخدامه والسفر به، قال: وفيه نظر؛ فإنه وإن ضمن [فما لم] (٢) يؤد، ينبغي أن لا ينفك التعلق بالكسب.

فإذا جوزنا له أن يستخدم أو يسافر، ففعل، أو منعناه، فاستخدمه يوماً أو أياماً، لزمه حقوق النكاح، كما يلزمه فداء العبد الجاني إذا باعه، وهو ما [يتجه] (٣).

وما الذي يلزمه؛ قيل: يلزمه المهرُ بالغاً ما بلغ، والنفقةُ؛ لأنه قد كان يكسب هذه المدة مبلغاً كثيراً يفي بذلك. والثاني - يلزمه أقل الأمرين: من أجرة مثل العبد لمدة الخدمة، أو ما لزم من مؤنة النكاح، وهذان القولان يقربان من القولين فيما


(١) أشرنا سابقاً أن تأنيث (أول) بالتاء لغة.
(٢) في الأصل: "ما لم" [بدون فاء] والمثبت تقدير منا، أيدته عبارة الإمام الغزالي في البسيط -وهي من عبارة شيخه غالباً- ونصها: "وفيه نظر؛ لأنه وإن ضمن، فما لم يؤدِّ، فتسليطه على الاستخدام فيه بعد" (ر. البسيط: ٤/ ٢٧ ش- مخطوط بمكتبتنا) ومعنى العبارة: أن تسليط العراقيين للسيد على استخدام العبد إذا ضمن لوازم النكاح محل نظر؛ فإنه برغم ضمانه يظل التعلق بكسب العبد ما لم تؤدَّ لوازم النكاح.
(٣) غير مقروءة في الأصل، ورسمت هكذا: "بيعه" تماماًَ. والمثبت تقديرٌ منا على ضوء السياق، ذلك أن بيع العبد الجاني موضع خلاف: قيل: لا يصح بيعه، ويقع فاسداً، ولا ينتقل به الملك، وقيل: يصح، ويلتزم السيد فداءه.