للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اختلاف أصحابنا، فذهب المحققون إلى أن تزويج العتيقة يثبت بعد موت المعتِقة لابن المعتِقة؛ فإنه الوارث بالولاء؛ فيجب أن يثبت حق التصرف بالولاء له، وليس للأب حق في الولاء مع الابن، وليس هذا كحالة الحياة؛ فإن الأب والابن استويا في أنهما لا حق لهما في الولاء ما دامت المعتِقة حية، ولكن الأب لما كان وليَّ المعتِقة، ملك تزويج عتيقها، وقد انقطعت ولاية الأب عن المعتِقَة بموتها، ولم يتجدد له حق في الولاء (١).

ومن أصحابنا من قال: ولاية تزويج العتيقة كانت ثابتة للأب في حياة المعتِقة؛ فتدوم تلك الولاية على ما كانت، وتبقى مستصحَبةَّ.

وهذا الوجه على اشتهاره ضعيف، ووجهه على ضعفه؛ أن الابن لو زوج لم يكن تزويجه باستحقاقه الولاء؛ فإنا ذكرنا أن الولاء لا يورَث، وإنما يورث به، من جهة العصبات، والعصبات ينتمون إلى مستحِق الولاء، وإذا كان الابن يزوّج عتيقة أمه لو انفرد، بسبب أنه ابن صاحبة الولاء، فاستصحاب الولاية التي كانت في حياتها أقربُ من إثبات الولاية بالانتساب إلى مستحقةِ الولاء. فهذا ما ذكره الأصحاب.

وذكر الشيخ أبو علي أن المعتِقة لو كانت حيّة، ولها أب وابن فمن يزوّج العتيقة؟

فعلى وجهين؛ أحدهما - أنه يزوجها أب المعتِقة؛ فإنه وليها، فكان إليه تزويج عتيقها.

والوجه الثاني - أنه إنما يزوج العتيقة في حياة المعتقة ابنها. وهذا غريب جداً؛ فإنه لا استحقاق له في حياة المعتِقة، وليس إليه تزويج المعتِقة، حتى يزوج العتيق تبعاً لتزويج المعتِقة. وهذا واضح.

ولكن وجهه -على بعده- أنا إذا كنا نذكر وجهاً في أن [الأب] (٢) هو المزوِّج بعد موت المعتِقة، مع العلم بأنه لا استحقاق له في الولاء بعد موت المعتِقة؛ فلا يبعد أن يقال: الابن يزوج العتيقة في حياة المعتِقة، وإن لم يكن له استحقاق في الولاء.


(١) وهذا هو المعتمد فعلاً في المذهب (ر. الروضة: ٧/ ٦١).
(٢) في الأصل: المعتق. (وهو تحريف مضلِّل، كم أرهقنا حتى اجترأنا على تغييره). والحمد لله أيدتنا صفوة المذهب.