للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للولي -والحالة هذه- أن يزوّجها من غير كفء؟ فعلى وجهين: أظهرهما - أنه يجوز؛ فإن ظاهر قولها "ممن شئت" مشعر بهذا. وهو كما لو قال للوكيل بالبيع: "بع متاعي هذا بما شئت"، فللوكيل -إذا جرى التوكيل كذلك- أن يبيع بما عزّ وهان.

والوجه الثاني - أن الولي لا يضعها في غير كفء، إذا لم تقيد إذنها بتزويج ترك الكفاءة؛ فإن قولها "ممن شئت" يحتمل التفويض المطلق ويحتمل التفويض مع رعاية الكفاءة، فقولها "ممن شئت" نحمله على تفويض تخيّر (١) الزوج. وهذا من أهم ما يراعى في باب النكاح، وقول الرجل لوكيله "بما شئت" لا يحتمل إلا تفويضه مقدارَ الثمن فحسب، وقد يدخل تحته البيع بالعُروض. وإذا وجدنا في الإذن في النكاح محملاً يحمل عليه التفويض رعاية الكفاءة، فيتعين الحمل عليه رعايةً للاحتياط في الأبضاع.

ومن لطيف القول في ذلك أنها لو عيّنت زوجاً، ولم يكن كفئاً، ورضي الولي بالحطيطة؛ فقد ذكرنا أن النكاح يصح، وإذا فوضت إلى الولي، وتعرضت لتجويز ترك الكفاءة صريحاً، فلو حملنا قولها "ممن شئت" على ذلك، فهاهنا نظر على المتأمل، وذلك أنا ذكرنا وجهين في أنه هل يشترط في الإذن تعيين الخاطب؟ فليت شعري! ماذا نقول إذا فوّضت تفويضاً يقتضي إسقاط الكفاءة؟ ظاهر ما نقله الأصحاب؛ طرد الخلاف في اشتراط تعيين الخاطب، كما تقدم، وإن رضيت المرأة بترك الكفاءة. والقياسُ عندنا أن الخلاف إنما يجري حيث يجب رعاية الكفاءة، فأما إذا رضيت بمن يكون، وأسقطت اعتبار الكفاءة؛ فالوجه -والحالة هذه- أن يسقط اعتبار التعيين أيضاًً؛ فإنها بإذنها رفعت طلب [الحظ] (٢)، وإنما يليق التعيين والقول به بالمحل الذي يجب فيه طلب الحظ في الآجل.

ثم يقع الكلام وراءه في تعيين الكفء، وما ذكرناه وإن كان يظهر بعض الظهور،


(١) في الأصل: "تخيرّ عن الزوج".
(٢) في الأصل: الحض.