للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فنقول: نفرض أولاً بنتاً مجنونة بلغت على الجنون، قال الأصحاب: إذا كان لها أبٌ أو جدٌّ، انفرد بتزويجها، ولم يراجع السلطان (١)، وهذا التفصيل (٢) فيه نظر على المتأمل؛ وذلك أن الأب في حق الثيب العاقلة بمثابة الأخ؛ فإنه لا يجبرها، كما لا يجبرها الأخ. ثم إذا فرض الجنون، وجب ألا يختلف أمر النكاح والتزويج، ويكون الأخ والأب بمثابة واحدة، ومساق هذا يوجب أن يراجع السلطان كما يراجع الأخ السلطان، كما تقدم تفصيل ذلك، وظاهر النص يدل على أن الأب ينفرد بتزويج المجنونة إذا بلغت كذلك، من غير فرق بين أن تكون بكراً أو ثيباً، ولفظه في المختصر: "وسواء كانت بكراً أو ثيباً"، ولا خلاف أن الأب يكون أولى بمالها إذا بلغت مجنونة، ولا أثر للثيابة والبكارة في ولاية المال، وظهر اختلاف الأصحاب فيه إذا بلغت عاقلة ثم جنت، فمن أصحابنا من قال: ولاية المال للأب (٣). ومنهم من أثبتها للسلطان.

وحاصل المذهب بعد هذا التنبيه: أن المجنونة البالغة إذا لم يكن لها أبٌ أو جدٌّ، فحكم تزويجها بين السلطان والأخ على ما مضى من غير مزيد.

وإن كان لها أب، نُظر: فإن بلغت مجنونة، تفصل الأمر، وانقسم إلى كونها بكراً أو ثيباً، فإن كانت بكراً، فلا يخفى أن الأب يتولى تزويجها؛ فإنه يزوجها وهي عاقلة إذا كانت بكراً إجباراً وقهراً، فكيف يخفى تزويجه إياها وهي مجنونة؟ وإن كانت ثيباً، وقد بلغت على الجنون؛ فظاهر النص أن الأب أولى، والتفويض إليه، وليس [عليه] (٤) مراجعة السلطان.

وذهب طوائف من محققينا إلى أن الأب في هذا المقام كالأخ، وهذا ما اختاره


(١) هذا هو الصحيح، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، بكراً أم ثيباً، قاله النووي (ر. الروضة: ٧/ ٩٥).
(٢) التفصيل: أي الفصل بين الأب والجد ومن دونهما من الأولياء.
(٣) قال النووي: هو الأصح، وإن قلنا: إن ولاية المال للسلطان، فكذلك التزويج (ر. الروضة: ٧/ ٩٥).
(٤) في الأصل: على.